الشعر في صدر الدولة الفاطمية
ازدهر الشعر في عهد الفاطميين وأكثر رجال الأدب من قرضه لمدح الخلفاء، لما كان ينالهم من العطايا الجزيلة والخلع والجوائز. وقد شجعت هذه الجوائز والهبت الشعراء من أهل السنة إلى محاكاة الشعراء الشيعيين، باتصل بعضهم ببلاط الخلفاء الفاطميين.
وأول من ضرب المثل لغيره من الشعراء الذين جاؤوا من بعده:
- ابن هانئ
ويلقب أبو القاسم محمد بن هانئ. ولد في أشبيلية في بلاد الأندلس، فقضى فيها أيام صباه، واتصل بصاحب أشبيلية، ونال الحظوة لديه، ثم رحل عنها وله من العمر سبع وعشرون سنة، ثم لقي جوهر القائد ومدحه، وما لبث أن نمي خبره إلى المعز، فطلبه وبالغ في الإنعام عليه، وعندما قصد المعز الديار المصرية، لحقه ابن هانئ. علق المعز لدين الله على ابن هانئ الآمال الكبار، عساه أن يحاكي الشعراء العباسيين، ويتفوق عليهم. ولقد أصاب المعز فيما ذهب إليه، إذ أن جل قصائد ابن هانئ كانت في مدح المعز وأسرته، وذهب في تحمسه إلى الظهور مظهر المتعصب للمذهب الشيعي، استدراراً لكرم الفاطميين. ومن ذلك قوله:
لي صارم وهو شيعي لحامله يكاد يسبق كراتي إلى البطل
إذا المعز معز الدين سلطه لم يرتقب بالمنايا مدة الأجل
- أبو عبد الله محمد بن أبي الجرع
وهو من الشعراء الذين عاشوا في زمن العزيز الفاطمي. وقد بلغة مرة أن الوزير يشكو من ألم في يده، فنظم قصيدة يظهر فيها ألمه لذلك، فأنشد يقول:
يد الوزير هي الدنيا فإن ألمت رأيت في كل شيء ذلك الألما
تأمل الملك وانظر فرط علته من أجله واسأل القرطاس والقلما
وقد دفع تشجيع خلفاء الفاطميين للشعر والشعراء، حداً جعلهم يهجرون أوطانهم ويستقرون في مصر للتمتع بسخاء الفاطميين ورجال بلاطهم، ومن هؤلاء الشعراء:
- عبد الوهاب بن نصر المالكي
وهو من أهل بغداد، وكان فقيهاً وأديباً وشاعراً، ثم ساءت حاله بها، حتى هام على وجهه في شوارع بغداد، ولجأ في النهاية إلى القاهرة، حاضرة الخلافة الفاطمية الشيعية، واتخذها مقراً ووطناً ثانياً له.
وقد أظهر ابن نصر ما كان يخالج نفسه من حزن لمفارقة بغداد في قصيدة نظمها، يودع فيها بلده، ويشير إلى الأحوال التي أدت إلى رحيله، فيقول:
سلام على بغداد من كل منزل وحق لها مني السلام المضاعف
فوالله ما فارقتها عن قلى لها وإني لشطي جانبيـها لعـارف
ولكنها ضاقت علي برحبها ولم تكن الأرزاق فيها تساعف
من هؤلاء الذين اجتذبهم جود الخلفاء الفاطميين وكرمهم:
- أبو العباس أحمد بن مفرج
أحد الشعراء الذين عاشول في عهد الخليفة الحافظأ الذي أمر الشعراء أن يختصروا قصائدهم، إذ يقول:
أمرتنا أن نصوغ المدح مختصراً لم لا أمرت ندا كفيك يختصر؟
والله لا بد أن تجري سوابقنا حتى يبين لها من مدحك الأثر
- عمارة اليمني
وكان من أهل تهامة باليمن، بعث به أمير مكة رسولاً من قبله للخليفة الفائز، فدخل مصر في ربيع الأول 550 هـ، وتلقاه الخليفة ووزيره الصالح طلائع بن رزيك بالعطف والقبول، إثر انشاده أولى مدائحه في قاعة الذهب في قصر الخلفاء الفاطميين:
الحمد للعيش بعد العزم والهمم حمداً يقوم بما أولت من النعم
قربن بعد مزار العز في نظري متى رأيت إمام العصر من أمم
ورحن من كعبة البطحاء والحرم وفداً إلى كعبة المعروف والكرم
ومنها:
خليفة ووزير مد عدلهما ظلاً على مفرق الإسلام والأمم
زيادة النيل نقص عند فيضهما فما عسى يتعاطى من الديم
اضف تعليقا