جامعة إفريقيا العالمية
كلية الشريعة والدراسات الإسلامية
القصة الأدبية في خدمة السيرة النبوية رواية ترجمان الملك مثالا
د. عثمان أبوزيد عثمان
المستشار في رابطة العالم الإسلامي
مقدم إلى المؤتمر العالمي الأول للسيرة النبوية الشريفة
الخرطوم 29- 30 صفر 1434هـ الموافق 11- 12 يناير 2013م
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فهذه ورقة مقدمة إلى المؤتمر الدولي الأول للسيرة النبوية المنعقد بجامعة إفريقيا العالمية، بعنوان: القصة الأدبية في خدمة السيرة النبوية – رواية ترجمان الملك مثالا، ضمن المحور السابع من أعمال المؤتمر الذي يتناول جهود المسلمين في العصر الحاضر في خدمة السيرة النبوية، وفي القسم الخاص بجهود المسرح والسينما والقصص والشعر.
وقد وقع الاختيار على إحدى الروايات الصادرة حديثاً لتكون مدار البحث؛ رواية “ترجمان الملك” للكاتب الدكتور عمر أحمد فضل الله، تحكي قصة الصحابة رضوان الله تعالى عليهم وهجرتهم إلى الحبشة واستقبال ملكها النجاشي لهم. وهي أنموذج للنص الأدبي الذي يلتزم الصدق الفني، والتمحيص الدقيق بين روايات الإخباريـين للوصول إلى ما هو أقرب إلى الواقع التاريخي.
وفي وقت يسارع فيه المبغضون لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إنتاج المواد الإعلامية والأفلام المسيئة لمقامه الكريم، ، ينبغي الاهتمام بالتخطيط للاستفادة من جميع الوسائل العصرية للتعريف بالنبي صلى الله عليه وسلم وإثراء الدعوة إلى الله تعالى. ولعلّ عصرنا الحاضر الذي تتجدد فيه وسائل النشر والبلاغ، يقدّم فرصة ذهبية للأدباء والإعلاميين بتقديم التاريخ الإسلامي إلى ملايين المتلقين عبر خطاب متجدد يتوسل بالقصة الجذابة والرواية الشائقة عن طريق توظيف الفنون بالصوت والصورة و(دراما) الإذاعة والتلفاز والسينما.
ومن قديم استمد الأدب من الدين قوته التعبيرية والتأثيرية، وحملت النصوص الأدبية بصمات الدين، بحيث إنها لم تخلُ في أي وقت من أن تكون تعبيرًا عن مبدأ إنساني أو عقيدة دينية؛ أياً كانت هذه العقيدة.
وظهرت أنواع كثيرة من الإنتاج الأدبي شعراً ونثراً في تراثنا حملت سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ في شكل قصائد منظومة وأناشيد منغومة ونصوص سردية. كما زخرت ثقافتنا الشعبية بما يعرف بأدب المدائح النبوية الذي أتاح ثقافة جماهيرية واسعة بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وعرّف بمناقبه وأخلاقه في زمان شحّت فيه الكتب وطغت فيه الأمية. واهتمت مناهج التعليم في بعض البلاد، بتحفيظ التلاميذ متوناً من منظومات السيرة مثل نظم المغازي للبدوي وقرة الأبصار وغيرها.
إن أساس الإنتاج الإعلامي الجيد هو وجود نصوص جيدة، وأهمها الرواية الأدبية التي تتبوأ اليوم مكانة مرموقة بين الأجناس الأدبية في وقتنا الحاضر ، بل ربما تقدّمت على الشعر الذي هو “ديوان العرب” كما يسمى.
ومن ينظر في الأعمال الأدبية من روايات وقصص، يجد أن استفادتنا من السيرة النبوية ليست بالمستوى المطلوب، كما أن محتوى وسائل الإعلام في هذا الجانب وإن كان كثيراً من حيث الكم، فإنه يبدو نادراً وضعيفاً من حيث الكيف، ولا نعلم السبب في ذلك؛ أهو عدم وعي وسائل الإعلام بأهمية السيرة؟ أم هو استسهال الإنتاج السطحي ومسلسلات الأنس والبرامج الغنائية ونحوها؟
ولا يخفى أننا ما نزال متخلفين عن أصحاب الثقافات الأخرى الذين وجهوا عنايتهم إلى تاريخهم الديني والوطني واستلهموا منها العبر والدروس، وقدموها سائغة عبر مادة محببة إلى النفوس في شكل أفلام وبرامج إذاعية وتلفزيونية وصحفية.
لم يعد لدينا عذر مع وجود هذه الوسائل في مضاعفة قدرتنا على التعريف بالنبي صلى الله عليه وسلم ونشر الدعوة الإسلامية، ليس على نطاق الجمهور الداخلي فحسب، بل بالنفاذ إلى الشعوب الأخرى التي تجهل الغالبية العظمى منها دين الإسلام ونبي الإسلام. والشواهد كثيرة على ما يسود هذه الشعوب من الجهالات والشبهات، فمن ذلك مثلاً ما أظهره نشاط تعريفي بدين الإسلام في شوارع البرازيل، عندما أراد بعض الدعاة اختبار عينة عشوائية حول معرفة العامة بدين الله وبرسول الرحمة ” محمد صلى الله عليه وسلم “، فظهر أن الغالبية لا يعرفون شيئا عن الإسلام ولا عن رسولنا الكريم، أو توجد لديهم صورة مشوّهة عن الإسلام والمسلمين.
وقد وقف الباحث على طرف من تلك الشبهات والجهالات عندما حضر المؤتمر العالمي للحوار بين أصحاب الأديان والثقافات في العاصمة الأسبانية مدريد عام 2008م ، وبسؤال المشاركين من أتباع الديانات الأخرى أدرك ضعف ما لديهم، حتى أن أحدهم دخل إلى المعرض المصاحب للمؤتمر وكان يضم صورة الكعبة المشرّفة وسرداً باللغات الأوروبية لقصة زمزم، فذكر أنه يشاهد صورة الكعبة لأول مرّة في حياته، مبدياً إعجابه الشديد بقصة زمزم ، وأن أطفاله سوف يسرّون كثيراً بهذه القصة البديعة حين يقصها عليهم في أمسيته تلك!
هذا، وتشمل الورقة أربعة أقسام هي:
1. السيرة النبوية في الأدب ووسائل الإعلام.
2. رواية ترجمان الملك: عرض تقديمي وتحليلي.
3. خبر النجاشي كما ورد في النص الروائي.
4. توظيف القصة الأدبية في خدمة السيرة النبوية
وتحاول الورقة من خلال عرض الرواية التاريخية المذكورة مناقشة الجهود الممكنة في توظيف القصة الأدبية في خدمة السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي، ومن ثم إنتاج برامج إعلامية وفنية على مستوى رفيع من المهنية والإتقان.
ونسأل الله تعالى التوفيق والإعانة، فهو ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
د. عثمان أبوزيد عثمان
مكة المكرمة في المحرم 1434هـ
1. السيرة النبوية في الأدب و وسائل الإعلام
بدأ عرض وتسجيل أحداث السيرة النبوية في الشعر منذ أيام البعثة الأولى، وتعدّ أشعار شعراء الرسول صلى الله عليه وسلم من أمثال حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة باكورة لهذا الأدب. والشعر العربي قديماً وحديثاً زاخر بما خصصه الشعراء من قصائد في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم متناولين شمائله وصفاته بالتفصيل. ووجدنا بردة البوصيري وما جاء على منوالها من معارضات الشعراء. حتى إذا كان العصر الحديث وقفنا على صور جديدة مثل الملاحم كما عند الشعراء : عامر بحيري وأحمد محرم وكامل أمين وغيرهم. غير أننا شهدنا ضموراً واضحاً في الاتجاهات الحداثية في الشعر المعاصر التي لم تقارب هذا الميدان إن لم يكن يقف منه موقفاً مضاداً.
وبرزت (الموالد) وهي صورة من النثر المسجوع الذي يقرأ بصفة معينة في اجتماع أطياف من مدارس الذكر، وتنشد في هذه الاجتماعات أيضاً المدائح النبوية التي صارت سمة ثقافية مشهورة في غالب المجتمعات الإسلامية.
وشهدنا في عصرنا الحاضر ميلاد أجناس أدبية وإعلامية عرضت السيرة النبوية عرضاً متجدداً، فكان ميلاد الرواية التاريخية، والأفلام والمسلسلات التي تخاطب جمهور عاماً.
ولما كان تلقي السيرة النبوية من الكتب والمراجع مما يصعب على غالب الناس ، كانت حاجتنا إلى العنصر الأدبي والإعلامي، رغبة في الوصول إلى أكبر قدر من الجمهور. وبذلك أصبحت السيرة النبوية ميداناً رحيباً للكتب الثقافية والأدبية التي اتخذ بعضها طابع الفن القصصي والروائي.
ونستطيع أن نحصي أمثلة كثيرة للأعمال الأدبية التي جاءت لتجعل أحداث السيرة المطهرة في متناول الجميع؛ بداية من رسالة خلاصة السيرة النبوية للسيد محمد رشيد رضا ومروراً بسلسلة العبقريات لعباس العقاد، وعلى هامش السيرة للدكتور طه حسين، ورجال من التاريخ للشيخ علي الطنطاوي والسيرة النبوية كما جاءت في الأحاديث الصحيحة (قراءة جديدة) لمحمد الصويان ، وصور من حياة الصحابة للدكتور عبد الرحمن رأفت الباشا، وقصص السيرة النبوية للصغار لمحمد موفق سليمة، وغيرها.
واهتم الإذاعيون ومعدو البرامج التلفزيونية بالسيرة النبوية، فجاءت الأحاديث الإذاعية والتلفزيونية شكلاً رائجاً من أشكال التحرير الإعلامي، وما تزال بنا حاجة لأشكال وأجناس أخرى في الإنتاج الإعلامي مثل الدراما والبرامج التسجيلية. ولا شك أن وجود نص روائي تاريخي محكم البناء هو أول خطوة في إنتاج الدراما التلفزيونية والإذاعية. ويعد غياب النص الملائم أكبر معوقات إنتاج الدراما التاريخية والدينية على العموم. ومعروف أن منتجي الأعمال الفنية لهذا النوع لا ينشطون لها لأسباب مختلفة من بينها تكلفتها المالية العالية، وأيضاً ما يجده الممثلون من صعوبة في حفظ الأدوار والتحدث باللغة الفصحى وتهيئة بيئة الإنتاج المناسبة في (الديكور والملابس والاكسسوارات وأماكن العرض).
ومهما يكن فإن أعمالاً روائية في السينما ووسائل الإعلام، أحدثت أثراً في التعريف بالسيرة النبوية وبالتاريخ الإسلامي، وكلنا يذكر فيلم الرسالة والمسلسلات الدينية التي قدمت في المواسم الدينية ، عرّفت بشخصيات مثل قطز وبيبرس وصلاح الدين، وشخصيات الصحابة التي أثار إظهارها جدلاً عارماً مثل مسلسل “عمر بن الخطاب” في موسم رمضان 1433هـ.
وقد أطلع الباحث على ظروف إنتاج المسلسل التلفزيوني قمر بني هاشم من ثلاثين حلقة عن السيرة النبوية، الذي قدمته قناة (ساهور) بمشاركة أكثر من مائتي ممثل من عدد من الدول العربية .
وهناك مشكلات كثيرة إدارية ومالية وغيرها تحول دون إنتاج فني في هذا المجال، ولكننا نبرز في الآتي بعض المشكلات المنهجية التي تواجه خدمة السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي عبر الأدب العربي ووسائل الإعلام في الآتي:
أولاً: ضعف التوثيق وتشويه التاريخ:
يشير العلامة يوسف القرضاوي في كتابه “تاريخنا المفترى عليه” إلى ما جنته كتب الأدب من تشويه التاريخ الإسلامي ، ويعرض أمثلة من الأغاليط والمبالغات التي حوتها كتب مثل الحيوان للجاحظ ، والكامل للمبرد ، والأغاني لأبي الفرج الأصفهاني وغيرهم. ويلاحظ أن بعض هذه الموسوعات الأدبية ذهبت إلى جعل أسانيد للقصص المروية تشبه أسانيد الحديث النبوي شكلاً ، ولكنها حوت حكايات وغرائب لا يصدّقها العقل.
وقال القرضاوي إن أصحاب الكتب والموسوعات الأدبية لم يأخذوا مروياتهم عن ثقات معروفين بالعدالة والضبط ، ولم يراعوا شروط الحديث من حيث السند والمتن. وهذا ما فعله الكثير من الأخباريين ، وعذرهم أنهم لا يروون في الأحكام وأمور الحلال والحرام .
وقد لا يكون مطلوباً – كما يشير أكرم ضياء العمري – معاملة الروايات التاريخية والأدبية كالأحاديث النبوية من حيث اشتراط المستوى نفسه من الصحة وعدالة الرواة وضبطهم ، ولكن يصبح التزام المنهج مطلوباً في تحري الدقة مع السبر والمقارنة بين متون الروايات للوصول إلى ما هو أقرب إلى الواقع التاريخي بدل رفض المرويات جميعاً.
هذا المنهج المتكامل الذي قدّمه المحدّثون استفاد منه الباحثون في التاريخ، وحتى رواة الشعر شاع بينهم إلى وقت قريب أخذ الإذن عند رواية القصائد مشافهة أو كتابة.
وقد يلاحظ في الروايات التاريخية التي أخرجت للسينما أو التلفزيون ضعف التوثيق سمة ظاهرة، ومن ذلك رصد بعض الأخطاء التاريخية إن على مستوى الأحداث والوقائع، أو في الديكورات والملابس والاكسسورات التي يقصد منها إضفاء الجو التاريخي الملائم للفترة التي تدور فيها أحداث المسلسل. فترى شخصيات التمثيلية بملابس متشابهة مع اختلاف العصور عندما يتم تصويرهم بعمائم تأخذ في الغالب شكلاً واحداً ، كما أن ملابس النساء في العصور الإسلامية المختلفة تضج بالكثير من التزويق والزركشة والبهرجة.
ومما لوحظ أيضاً أن شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم قد يُعرض في النصوص الأدبية بنوع من التصوير التجريدي الذي يركز على فكرة النور المحمدي ، وعلى صفاته صلى الله عليه وسلم الخاصة بالجمال والبهاء والطلعة الندية وغير ذلك ، مما يجعل حياة الرسول صلى الله عليه وسلم مجرد مثال نقف أمامه مبهورين بالإعجاب دون أن يؤدي ذلك إلى الاقتداء بسنته واتباع نهجه.
ولا شك أن امتزاج التاريخ بالأدب من شأنه أن يمنح الشخصيات التاريخية والأماكن بعداً معيناً قد يبتعد بها من الحقائق المجردة. ويقتضي ذلك ألا يعتمد المؤلف مزاجه الشخصي وأن يحافظ على جوهر المادة التاريخية زماناً ومكاناً وشخصيات حين يعيد صياغتها في العمل الأدبي والفني.
ثانياً: المحذورات الفقهية:
يمكن النظر إلى بعض المحذورات الفقهية سبباً في تحرج البعض من تناول السيرة النبوية، ومن ذلك ما يحصل من جدل حول تمثيل شخصيات الصحابة رضوان الله عليهم والخلفاء الراشدين، وكذا شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم.
أما تمثيل وتصوير ورسم شخصيات الأنبياء ، فلا اختلاف على حرمته باتفاق بين العلماء وصدرت بذلك الفتاوى المانعة. والواقع أنه يحصل بون واسع بين المقيس والمقيس عليه في حال تصوير الأنبياء، ومهما حاول المصوّرون أن ينقلوا الصفات المشهورة عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم مثلا فلا بد أن يقع نقص من أوصافه الشريفة، ثم هناك تعدّد الصور باختلاف الشخصيات التي تؤدي شخصية نبي من الأنبياء ، ولا أدلّ على ذلك مما وقع عند تمثيل سيدنا يوسف وسيدنا المسيح عيسى عليهما السلام .
وهناك توجه الآن إلى قبول تمثيل شخصيات الصحابة، وكذلك شخصيات الخلفاء ويرى الدكتور علي الصلابي أن المسألة تبقى مسألة اجتهادية، وتحتاج أن يُنظر إليها في المصالح والمفاسد والضوابط، سواء الضابط التاريخي أو الضابط الشرعي، وأن هناك مجموعة من الفقهاء والعلماء أصبحوا يميلون بقوة بالإفتاء بدعم المسلسلات التاريخية وسيلة من وسائل الدعوة إلى الله عز وجل، وقد جرى استثناء إظهار للرسول عليه الصلاة والسلام وأمهات المؤمنين، وأما الخلفاء الراشدون، فيمكن أن يخرجوا للمصالح الكبرى المترتبة على ذلك، خصوصاً حين يخضع النص إلى مراقبة شرعية ومراقبة تاريخية، ويشرف عليه أهل الاختصاص؛ لتقديم العقيدة وتقديم الفكر والحضارة والثقافة من خلال سير هؤلاء العظماء الذين تعتز بهم الأمة الإسلامية.
ثالثاً: ندرة النصوص الروائية:
حياة الرسول صلى الله عليه وسلم هي الحقيقة الكبرى للإنسانية المستخلفة في الأرض، ولكي نستمد منها نوراً وطريقاً قويماً لا بد من تقديمها للعالم المتعطش لإدراك الحقائق الدينية والكونية. وأول خطوة في هذا السبيل إنتاج مادة قصصية وروائية تصلح للفئات العمرية المختلفة، وتجهيز “سيناريوهات” ملائمة لذلك.
ومع كثرة البرامج الإذاعية والتلفزيونية في موضوع السيرة النبوية ، فما تزال النصوص الجيدة قليلة وكذلك البرامج ذات النوعية والمواصفات التي ترتقي لمستوى الحياة النبوية التي تمثل الحقيقة الكبرى للإنسانية. وينبغي للأجيال في أعصرها المختلفة أن تستمد من هديه نورًا يضيء لها آفاق الحياة , ويشرح لها بقدر ما يطيق كل جيل من تحمل أمانة الله في استيعاب إشراق النبوة، وكما يقول الشيخ محمد الغزالي، فإن “من الظلم لفترة نابضة بالحياة والقوة أن تُعرض في أكفان الموتى” .
ومن هنا نرى أن صدور رواية جديدة في السيرة مما ينبغي الاحتفاء به، لا سيما إذا جاءت الرواية بمواصفات النص المطلوب من حيث منهج التوثيق والالتزام بالمعايير الفقهية من ناحية والمعايير الفنية من ناحية أخرى.
2. رواية ترجمان الملك: عرض تقديمي وتحليلي
صدرت رواية “ترجمان الملك” عن دار نهضة مصر في القاهرة. وجاء في تصدير المؤلف لروايته أنها “مرآة ساطعة، تعكس زمان وأحداث هجرة الصحابة إلى الحبشة، برواية أحد سكان مدينة سوبا، حاضرة مملكة عَلَوَة المسيحية آنذاك، وتجمع بين الحقيقة والخيال في قالب إبداعي، يضع هذه الرواية في مصاف الروايات العالمية”.
وعلى غير المألوف يقدّم المؤلف لروايته بمقدمتين؛ إحداهما مقدمة المؤلف والأخرى مقدمة الراوي، ويقرر المؤلف في مقدمته أن البر الغربي للبحر الأحمر وضفاف النيل الأزرق كانت ملاذاً للعرب المسلمين المهاجرين من مكة إلى مملكة علوة المسيحية. ويرى المؤلف أن هذه الهجرة كانت بمثابة خطوة إستراتيجية عسكرية ناجحة لتأمين ظهر الدعوة الإسلامية وهي في مواجهة أعتى إمبراطوريتين في ذلك الوقت الروم والفرس، كما كانت أنجح سفارة في تاريخ الإسلام كله.
ظلت هذه الجبهة الغربية ساكنة إلى أن زحفت جيوش أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في اتجاهها، ولكن عثمان بن عفان الذي عرف هذه البلاد معرفة قريبة بحكم هجرته إليها مرتين، دخلها صلحاً لا فتحاً.
وأول ما يشدّ انتباه القارئ لرواية ترجمان الملك؛ أسلوبها الجزل ولغتها الرصينة التي تستعير ألفاظاً وأسماء من لغة هذه البلاد وبيئتها، تضفي جواً من الغموض الفني، فينتقل الخيال إلى الماضي ليعايش صوره وملامحه:
“أقف الآن جنوب سوبأ العاصمة في زماننا القديم متأهباً للإطلالة على زمانكم والشروق يزين بفرشاته أسوارها وأسواقها و… أملاً في مجيء نسيم (البطانة) الشرقية ليتأمل هذه اللوحة، قبل أن ينفث سحره فيها يرجو لها الخلود، والنيل يربض غربها مثل طفل برئ يختبئ من أقرانه في لعبة “دسّوسية” بدأوها عند العشيات ثم غلبهم النوم” .
وتقوم بنية الرواية على سرد متناغم يتوغل في أعماق الشخصيات، ليصف عالمها الداخلي ، وما يدور فيه من خواطر نفسية، أو حديث مع الذات، وهو ما يسميه النقاد بـ “السرد النفسي”…
في مقدمة الراوي: “أنا الشاب سيسي بن أبيلو بن دلمار الذي عاش حياة حافلة في زمانه، ثم مات وماتت معه قصته. لم يسمع به أحد في عصركم هذا … سوف أتولى رواية قصتي بنفسي في الصفحات التالية، لن أسمح أن يرويها أحد غيري”.
وربما يسأل القارئ؛ أهذه رواية تاريخية أم رواية للتاريخ؟ فوضع مقدمة المؤلف نهجٌ غير معتاد في كتابة الرواية. وتميّزت الرواية بدقة في حقائق الأحداث المرتبطة بالإنسان والزمان والمكان، وباستثناء بعض الملاحظات اليسيرة التي نذكرها في موضع لاحق، يلتزم الراوي بأصح الروايات التاريخية، وقد رجع المؤلف إلى نحو ثمان وأربعين من المراجع والمصادر التاريخية والحديثية المعتبرة.
إن كثيراً من كُتاب الروايات الأدبية التاريخية أهملوا الحقائق وبالغوا في الخيال إلى درجة الإخلال بالصدق وتشويه التاريخ، مع أن الرواية الأدبية التاريخية تتأسس على بنية من الوقائع والحوادث الحقيقية بمعنى وجود وشخوص حقيقية وجو وفضاء وأحداث. صحيح هناك مرونة في أسلوب الروائيين والإخباريين، فليس مطلوباً التقيد بضوابط أهل الحديث ولا بشروط المؤرخين، ومع ذلك لا يترك الأمر فوضى دون مقياس أو ضوابط، والحد الأدنى هو وجود بنية تاريخيّة تتأسس عليها الرواية .
خيال المؤلف امتداد لحقائق التاريخ والجغرافيا:
“يا ولدي هذه الأخشاب تأتي مع النيل الأخضر من الأعالي، من حيث أتى أجدادك الأقدمون، ومن مكان يقال له أكسوم بلد الملك العظيم “عزانا”…
تضمنت رواية ترجمان الملك فيما تضمنت، عرضاً لعلاقة عاطفية، ومع أنها ليست في بؤرة النص الروائي، وإنما هي مدفونة فيه، فإننا نتساءل: هل نحن بحاجة إلى قصة حب في كل عمل روائي؟ وفي كثير من الروايات التاريخية، يعمد الروائيون إلى اختراع هذه القصة إن لم يجدوها ، بحجة أن العمل الفني لا يستقيم بعده التشويقي إلا بها، وقد يذهبون أبعد من ذلك إلى الاستثارة الحسية والجنسية.
وما دام العمل الفني معنياً بالنظر في بواطن الإنسان وأسراره الكامنة، فلعل من الأرجح وجود هذا الجانب الوجداني من حب ومعاناة ونحوها، علماً بأن القصة القرآنية الأنموذج نفسها (قصة يوسف عليه السلام) لم تخل من هذه الجانب.
وإذا كانت السمة السائدة في كثير من الروايات الحديثة هي تعمّد تشويه الشخصية الإسلامية حتى صارت هناك شخصية نمطية للمتدين بشكل عام ، فإن شخصيات الرواية في رواية ترجمان الملك تظهر في طابع مشرق ، إذ تزخر الرواية بنماذج وأطياف إنسانية متنوعة في الإطار الإيجابي الذي يحبب الدين إلى نفس القارئ. وهناك معالجة لفكرة النقيض الأخلاقي بإيجاد شخصيات غير سوية تتجسد في الساحرة وبعض الوزراء الفاسدين والكهنة في بلاط النجاشي.
وأبرزت القصة أكبر قضية إنسانية استأثرت بالاهتمام في ذلك العصر ، ألا وهي تجارة الرقيق ، وعكست مدى المعاناة التي حاقت بقطاع عريض من البشر أوقعهم حظهم التعس في أيدي النخاسة.
هذا النجاشي (أصحمة بن الأبجر) يحكي طرفاً من معاناته عندما باعه تجار الرقيق ووضع في سفينة تتأهب للإبحار نحو جزيرة العرب: “أصعدني أحد الحراس وجعلني أتسلق السلم إلى سطح السفينة ثم نزل إلى القارب وعاد إلى الشاطئ. جاء من كان على سطح السفينة ينظرون ويتفحصونني. ثم أمرهم أحدهم أن ينزلوني إلى قاع السفينة ففتحوا باباً خشبياً وألقوا بي مثل كيس من القطن أو مثل زكيبة قمامة حين ترمى في سباطة النفايات فوقعت على وجهي وأغلقوا الباب.
المكان مظلم ورطب ، والدم يسيل من فمي الذي وقعت عليه ، وحركة السفينة صعوداً ونزولاً مع الأمواج أصابتني بدوار البحر فتقيأت كل ما كنت قد أكلته صباح ذلك اليوم. وجاءت الفئران وبدأت تأكل ذلك القيء ، الفئران لم تكن خائفة فقد تسلقت جسدي على الفور وبلا تردد. أصبحت وحيداً ضعيفاً خائفاً خائر القوى، يائساً واستسلمت لما سوف يفعلونه بي.
3. خبر النجاشي كما ورد في النص الروائي
تتوفر في السيرة النبوية مادة علمية صحيحة تكفي لتجسيد شخصية النجاشي، لذا لم يكن مؤلف الرواية بحاجة إلى إعمال خياله الإبداعي لتصوير هذه الشخصية ، وقد عرض هذه الشخصية عرضاً أميناً مثيراً للأحاسيس والعواطف الدينية.
ومع ما تقدم فإن الرواية تثير أسئلة تاريخية مهمة طالما كانت موضع مناقشة وجدل، وأول تلك الأسئلة ما تعلّق بالمكان الذي هاجر إليه الصحابة، فمنذ أن أطلق المرحوم عبد الله الطيب مقولته حول هجرة الصحابة وأنها كانت إلى أرض السودان الحالية وليست إلى أثيوبيا، ما تزال الفرضية بين متقبل لها ورافض.
تذهب رواية “ترجمان الملك” إلى أن منطقة سوبا هي المكان الذي عاش فيها النجاشي، وفيها استقبل المهاجرين، ولا نعلم يقيناً إن كان هذا صحيحاً ، فهناك أقوال أخرى تفترض تحديد أماكن أخرى ، فهذا مثلاً الأستاذ سليمان صالح ضرار يعيّن منطقة البجا وبالتحديد جزيرة أكسوم حيث كانت عاصمة مملكة بني عامر، وعمد آخر إلى تعيين أريتريا أو منطقة البجراوية ، وأيضاً نهر بركة.
قدمت ورقة الدكتور عبد الله الطيب أسباباً مقنعة تجعل هجرة الصحابة إلى ضفاف النيل الأزرق مقبولة لا إلى أثيوبيا. ويبدو أن كاتب رواية ترجمان الملك مال إلى اختيار سوبا مكاناً لهجرة الصحابة باعتبارها حقيقة تاريخية لا مرية فيها. غير أن الكاتب اجتهد جداً في التحقق من هذه الواقعة، ويكفيه أنه رجع إلى (148) مصدراً ومرجعاً، واطلع أيضاً على ما كتبه الدكتور حسن علي الشايقي من دراسة تقويمية لرأي البروفيسور حسن الفاتح قريب الله حول هجرة الصحابة الكرام للحبشة.
ومهما يكن فإن هذا الإقليم كان ممتداً دون حدود ، عرفه العرب بالحبشة، وكان يضم شرق السودان. والعمل الروائي بطبيعة الحال يحاول أن يقدم ما هو جوهري ولكنه لا يستطيع أن يترك التفاصيل من أسماء شخصيات ووصف الأماكن ونحو ذلك.
أما النجاشي فهو اسم لكل ملك ولي إمارة أو مملكة في الحبشة ، واسم هذا النجاشي أصحمة بن الأبجر ومعناه عطية، ولكنّها لا تنقل التاريخ بحرفيته ، بقدر ما تصوّر رؤية الفنّان له وتوظيفه لهذه الرؤية للتعبير عن تجربة من تجاربه ،أوموقف من مجتمعه يتخذ من التاريخ ذريعة له وردت قصته في حديث أم سلمة وفي حديث عائشة. ثمة واقعة تاريخية تحتاج إلى وقفة وردت في رواية ترجمان الملك؛ وهي أن أصحمة بن الأبجر (الملك النجاشي) أعيد إلى علوة قبل أن يركب البحر عقب اختطافه وبيعه عبداً. وهنالك رواية غير مشهورة لكن اختيارها كان أقرب إلى “تكنيك” الرواية وتوظيف الحدث للحبكة القصصية. فقد أورد السهيلي في “الروض الأنف” أن النجاشي عاش في جزيرة العرب، ورعى الغنم في بدر لأحد رجال بني ضمرة من إحدى بطون كنانة. لقد ورد في شرح سيرة ابن هشام كيف أن النجاشي لما علم بانتصار المسلمين في غزوة بدر أرسل إلى من عنده من المهاجرين، فلما دخلوا عليه وجدوه قد لبس ملابس بالية جالساً على التراب والرماد، فعجبوا لذلك وسألوه فقال لهم: إنا نجد في الإنجيل أن الله إذا أحدث بعبده، وجب على العبد أن يحدث معه تواضعاً ، وأن الله قد أحدث إلينا وإليكم نعمة عظيمة، وهي أن النبي محمد بلغني أنه التقى هو وأعداؤه بواد يقال له بدر كثير الأراك كنت أرعى فيه الغنم على سيدي وهو من بني ضمرة ، وأن الله قد هزم أعداءه فيه ونصر دينه.
وهذا الخبر له ما يؤيده فالإمام علي رضي الله عنه وجد عند أحد تجار مكة ابناً للنجاشي يعرف بأبي نيزر فاشتراه وأعتقه مكافأة لما صنع أبوه بالمسلمين في الحبشة.
ومعروف في السيرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد اختار أن يبعث بكتابه إلى النجاشي الذي دعاه فيه إلى الإسلام مع رجل من بني ضمرة يسمى عمرو بن أمية الضمري لعلمه صلى الله عليه وسلم بصلة النجاشي ببني ضمرة. كل ذلك يدل على أن النجاشي عاش في بلاد العرب وتعلم اللغة العربية فيها، وهذا سر الخطاب المباشر من سيدنا جعفر بن أبي طالب للنجاشي ففهمه دون وسيط أو مترجم.
3. توظيف القصة الأدبية في خدمة السيرة النبوية
ثمة رباط وثيق بين الدين والفن. ينقل علي عزت بيجوفيتش عن هنري بيرجسون قوله: “إن الفن ابن الدين” ، ويقول بيجوفيتش: إذا أراد الفن أن يبقى حياً ، فعليه أن يستقي دائماً من المصدر الذي جاء منه . لقد بلغ فن المعمار في جميع الثقافات أعظم إلهاماته في بناء المعابد ، وينطبق هذا على المساجد في أنحاء العالم الإسلامي، كما أن الأعمال الفنية الكبرى في عصر التنوير الأوروبي اقتصرت على الموضوعات الدينية.
نعني بتوظيف الأدب في خدمة السيرة النبوية ، أن نجعل حياة الرسول صلى الله عليه وسلم جزءاً أصيلاً من ثقافة الأمة ، ونرسخ الهدي النبوي والسنة القويمة في الذاكرة الفردية والذاكرة الجمعية للجمهور.
إن الفن بمعنى إبداع الجمال تتجلى دلالته الواضحة في الإعجاز البياني للقرآن الكريم ، فالله تعالى قصّ في القرآن أحسن القصص، بكلام معجز فصيح ، وبأسلوب بديع. فعلينا أن نحاول جهد طاقتنا الاهتداء بالقرآن والتأسي بالرسول صلى الله عليه وسلم الذي أوتي جوامع الكلم، حتى يكون البلاغ عن هذا الدين بأقوى الأساليب وبأروع أشكال الأدب والفن الجميل.
تصلح أحداث السيرة النبوية أن تكون مادة قصصية فنية، بسياقات مستقلة؛ لكل قصة بِنيتها من حيث الحبكة والإيقاع وذروة الحدث والنهاية، ونستطيع أن ننتج مئات الكتب القصصية وأمثالها من الروايات والأفلام والتمثيليات. وليس الهدف منها أن نجعل حياة الرسول صلى الله عليه وسلم مسلاة أو إحالتها إلى أغانٍ وتواشيح وقصائد للطرب.
عندما كتب الشيخ محمد الغزالي كتابه فقه السيرة أراد أن يُنبه إلى تلك القراءة المبتسرة للسيرة التي قدّمت شخصية النبي صلى الله عليه وسلم وكأنه عظيم من العظماء أو مصلح من المصلحين. وهي القراءة التي عنيت بإبراز العبقرية والامتياز الذاتي دون أن تلتفت لخصوصيتها ممثلة في خبر السماء. وبذلك وقع في أوهام البعض أن سنته تناسب عصره , وأن ما تحفل به السيرة من قيم ومواقف وقواعد للسلوك العملي لا ينفك عن الإطار الزمني الذي جرت فيه.
ودعا الغزالي إلى قراءة صحيحة بالنظر إلى وقائع السيرة من حيث هي التشكل التاريخي و الواقعي لعقيدة الإسلام قرآناً وسنة ورصيدًا تشريعيًا , والبعد عن اجتزاء و انتقاء أحداث بعينها ومقاربتها من زاوية فكرية أو فلسفية تشوه ملابسات الحدث , و تثير في النفوس دواعي الشك و الاضطراب .
يقول الشيخ الغزالي في مقدمة كتابه فقه السيرة: “قصدت أن تكون السيرة شيئاً ينمي الإيمان ، ويزكي الخلق ، ويلهب الكفاح ، ويغري باعتناق الحق والوفاء له” . وقد عاب الغزالي على البعض أن جعلوا السيرة غناءً وطرباً قائلاً لهم: إذا أراد أحد أن يغني أو يستمع إلى غناء فليفعل ، أما تحويل الإسلام نفسه إلى غناء ، فيصبح القرآن ألحاناً عذبة ، وتصبح السيرة قصائد وتواشيح ، فهذا ما لا مساغ له وما لا يقبله إلا الغافلون. وقد تم هذا التحوّل على حساب الإسلام ، فانسحب الدين من ميدان السلوك والتوجيه إلى ميدان اللهو واللعب، وحقّ فيمن فعلوا ذلك قول الله عز وجل: “وذكر به الذين اتخذوا دينهم لعباً ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا”.
من واجب الإعلام الديني أن يكون متوازناً في منهجه بحيث لا يطغى الانحياز للغيبيات والخوارق التي لا يقوم عليها دليل , وصوغ أحداث السيرة ضمن إطار يستحضر ما هو غيبي دون أن يهمل عالم الشهادة. وأن يستفاد من المرويات التي تتضمن القيم الإنسانية والتربوية والمناقب والفضائل المشهورة المتواترة والتي تغني عن الروايات المنكرة والضعيفة .
إن صيغ الوعظ والإرشاد رغم أهميتها ، تصلح لمقام معين ولكل مقام مقال ، ويتعين عرض صيغ أخرى في التوجيه تنسجم مع مستجدات العصر في التلقي. وهذا ما يُلقي على عاتق الإعلام الإسلامي مسؤولية كبيرة في تبني طرح عصري ومتجدد للسيرة النبوية، قوامه تقديم المثال العملي من سنة النبي وهديه .
هذا فيما يتعلق بالمنهج والأهداف ، أما ما يتعلق بالوسائل ، فمن الضروري العناية بالتمويل اللازم للإنتاج الأدبي والفني . إن إنتاج فيلم أو مسلسل مؤثر يحتاج إلى الملايين من الدولارات ، وما يزال مجتمعنا ينشط فقط في وجوه البر المعروفة مثل بناء المساجد وكفالة اليتامى ووقف المال لتحفيظ القرآن ونحوه ، في حين أن تمويل وسائل الدعوة والإعلام والتعريف بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم لا تقل أهمية. وعلى كل فإن تمويل العمل الإعلامي الحقيقي لن يتأتى بانتظار رؤوس الأموال التي يقدمها التجار والمستثمرون في شكل صدقات أو زكوات لأعمالهم ، وإنما بنشأة شركات أعمال في صناعة الإعلام وسوف تجد لنفسها الدافع إلى ولوج عالم التجارة والاستثمار. وقد اتضح عند دخول بعض رؤوس الأعمال الصغيرة عالم الاستثمار التجاري أنها حققت مكاسب وكان نجاحها منطلقاً لإنشاء العديد من الأعمال الإعلامية الناجحة ، وبذا انفتحت مؤشرات مشجعة للإقدام على خطوة الإنتاج الإعلامي ، مما أثبت أن المؤسسات الإعلامية تحقق عوائد ربحية لا يستهان بها.
وإذا كان من توصية نختم بها هذه الورقة ، فهي أن تتبنى مؤسسة إعلامية تحويل رواية “ترجمان الملك” إلى عمل روائي سينمائي ، فالرواية نواة جيّدة لإنتاج فني خلاّب. ونقترح عند كتابة “سيناريو” الفيلم استدراك المعلومة التاريخية المهمة أن النجاشي رعى الغنم في بدر وأقام في الجزيرة العربية.
الحواشي:
———————————————————————————————————————————-
اضف تعليقا