مهما فعل النظام الحالي في السودان من محاولات الإصلاح فإن واقع الحال لن يتغير إلا إن بدأ بانتهاج واتباع سياسات جديدة صارمة لحقوق المواطنة في السودان. وأول ما ينبغي أن يبدأ به من الحقوق هو التخلي عن سياسة تفضيل عضوية المؤتمر الوطني على غيرهم واعتبار جميع السودانيين أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق وتمكينهم من التمتع بحقوق المواطنة السودانية وجميع الحقوق والحريات التي ينص عليها دستور البلاد دون أي تمييز، بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الإجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، ودون أية تفرقة بين الرجال والنساء، وأن يضمن لكل فرد سوداني الحق في الحياة والحرية والسلامة الشخصية، وأن يمتنع البتة عن تعريض المخالفين في الرأي أو التوجه الحزبي للإقصاء والتعذيب والعقوبات والمعاملات القاسية والوحشية الحاطة للكرامة.
يجب أن تنتهج سياسات الإصلاح تعزيز الشخصية القانونية للمواطن السوداني أينما وجد حتى تعود للسودانيين ثقتهم في وطنيتهم وهويتهم وانتمائهم وحتى يسود الاعتقاد بين جميع السودانيين أنهم سواسية أمام القانون ولهم حق التمتع بحماية متكافئة دون أية تفرقة وأن لهم جميعاً الحق في الحماية المتساوية ضد أي تمييز وضد أي تحريض على أي تمييز وأن لكل مواطن سوداني الحق في أن يلجأ إلى المحاكم الوطنية لإنصافه عن أي أعمال فيها اعتداء على الحقوق الأساسية التي يمنحها له القانون والدستور دون تخويف أو إرهاب أو تدخل من أية جهة أمنية أو سياسية.
يجب أن تتضمن سياسات الإصلاح الجديدة التوقف الفوري عن القبض على المواطنين واعتقالهم واحتجازهم تعسفياً ونفيهم خارج بلادهم بالسياسات التعسفية التي لا يدعمها قانون ولا دستور. كما يجب أن يحرص النظام الحالي على زرع الثقة في نفوس المواطنين ليعلموا أن لكل سوداني الحق، على قدم المساواة التامة مع الآخرين، في أن تنظر قضيته أمام محكمة مستقلة نزيهة نظراً عادلاً علنياً للفصل في حقوقه والتزاماته وأية تهمة جنائية توجه له وأن كل متهم بجريمة يعتبر بريئاً إلى أن تثبت إدانته قانوناً بمحاكمة علنية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عنه وألا يدان أي شخص من جراء أداء عمل أو الإمتناع عن أداء عمل إلاّ إذا كان ذلك يعتبر جرماً وفقاً للقانون السوداني أو الدولي وقت الارتكاب. كذلك لا توقع عليه عقوبة أشد من تلك التي كان يجوز توقيعها وقت ارتكاب الجريمة. وأن تمتنع الأجهزة الأمنية عن التدخل التعسفي في حياة الأفراد الخاصة وأسرهم ومساكنهم ومراسلاتهم واتصالاتهم وتعريضهم للحملات التي تنال من شرفهم وسمعتهم كما يجب أن يضمن النظام فعلاً لا قولاً حماية القانون للمواطنين من مثل هذا التدخل أو تلك الحملات.
يجب أن تضمن سياسات الإصلاح الجديدة لكل فرد حرية التنقل واختيار محل إقامته داخل حدود السودان وحرية مغادرة السودان في أي وقت والعودة في أي وقت دون مساءلة وحقه في أن يلجأ إلى أية دولة أخرى هرباً من الاضطهاد والظلم – إن وقع عليه – مع ضمان تمتعه الكامل بالجنسية السودانية في جميع الأوقات وعدم حرمان أي مواطن سوداني من جنسيته تعسفاً أو إنكار حقه في تغييرها.
يجب أن تتضمن سياسات الإصلاح حقوق المواطن السوداني في حرية التفكير والضمير والدين بما لا يتنافى مع العرف والقانون وأخلاق المجتمع وأن تضمن له حرية الإعراب والتعبير عن ذلك بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سراً أم مع جماعته. وأن تضمن له الحق في حرية الرأي والتعبير وحرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية وبما لا يضر بمصلحة البلاد والمجتمع وما لا ينافي القانون والدستور والأعراف الاجتماعية وأن تضمن له حرية الاشتراك في الجمعيات والجماعات السلمية.
إن المشاركة في تنمية البلاد ونهضتها لا تكون إلا بمواطن حر مستقل يشعر بالمواطنة السودانية والانتماء الذي يفرض عليه واجباته نحو رفعة بلده ونهضتها ولا يتم ذلك ولن يكون بمواطن مقهور مضطهد مظلوم محبط خائف ومعدم فقير. فهل يصدق النظام هذه المرة فيما وعد به أم ننتظر الثورة؟
هذه أول خطوة للإصلاح يجب أن تبدأ بها الدولة فما لم يثق المواطن في صدق انتمائه للسودان الوطن الواحد وتمتعه بالمواطنة التي تضمن له كامل الحقوق والحريات التي يكفلها له الدستور والقانون فلن يكون هناك إصلاح.. كتبنا هذا المقال منذ سنوات طويلة وما زلنا نذكر الناس به كل عام.. لماذا بدأت أحس أن هذا النظام القائم هو جزء من المؤامرة على السودان وأهله وشعبه؟ لماذا يصم المسئولون في السودان آذانهم عن سماع النصح من الغير فلا يستمعون إلا لصدى أصوات أنفسهم؟ لماذا يقف السودانيون في قائمة الانتظار من أجل أن ترضى عنهم هذه الدولة أو تلك؟ لماذا تبقى السلطة في أيدي حفنة من المتسلطين يقودون البلاد إلى الهلاك؟ ما الذي يبقي العقلاء في البلاد صامتين حتى يومنا هذا؟ لماذا يحيا معظم علماء البلاد وخبراؤها في جميع المجالات والتخصصات في المنفى الاختياري أو القسري تستفيد من خبراتهم دول المهجر بينما يبقى شعبهم وأهلهم وناسهم محرومين من جهدهم؟ لماذا نظل دولة خانعة وهي ترى حدودنا تتآكلها الدول وتقتطعها الشعوب شمالاً وشرقاً أو جنوباً أو غرباً وتتآمر علينا القوى العظمى ثم لا نغضب لكرامتنا ولا نثور من أجل عزة بلادنا؟ لماذا نرى خيرات بلادنا تذهب لغيرنا ونظل نحن أفقر شعوب العالم وأكثرها مرضاً وجهلاً وتخلفا؟ ما الذي يجري من وراء ظهورنا وإلى متى؟