فيما يلي النص الكامل (غير المنقح) والذي أجراه هيثم أحمد الطيب مع د. عمر فضل الله ونشر في صفحة حراك الثقافي في جريدة الجريدة  بتاريخ الخميس 1/5/2014

= العيلفون ..الميلاد والنشأة..

هي أرض الآباء والأجداد ومراتع الفرح والمرح، ومهد الطفولة، وساحات الجد واللعب. هي الصلوات والقباب والمساجد والخلوات. هي النوبة والنحاس والطارات، هي حلقات التلاوة والذكر والدعوات، هي الأندية والساحات، هي الجنائن والمزارع والجروف والجزيرة والبِلدات. هي الآباء والأمهات والأعمام والعمات والأخوال والخالات والإخوان والأخوات، هي الجيران والحيران والأقران، هي الطاحونة والطابونة، هي لفة حوش المكي ودوم بُربُر. هي سوق ودريا وسوق الشجرة وسوق أم قحف، هي دبة الدويخلة وشجر الحديبة ورمل الباقير  والشريق وام تكالي. هي هيبة المقابر وحرم المدارس. هي العوم في بحر النيل الأزرق ودردرة الطير أمام الطاحونة وركوب الحمير ومطاردة الفيران واليرابيع في الخلاء وأكل الفريك في الخريف، هي كورة الشراب بعد العصر، هي شدت وقادوس من قاسك وشليل وينو  والرمة وحراسها وقت الغروب، هي دعاش المطر وهبة الرياح. هي الدانقة والديوان والصالون، هي الكسرة والماعون، هي النخوة والنشمة هي إكرام الضيف في الشتاء والصيف، هي النفير لبناء حائط الجار، هي اللمة في الأفراح والأتراح. وهي صلوات الأعياد في الساحات. وهي أرض المحس والجعليين والدناقلة والشايقية مجتمعين متآلفين.  هي العيلفون!! مراتع الطفولة والصبا والشباب.

رواية سودانية هي ،ماذا تريد أن تقول للدنيا والبلد والناس

؟؟

.. = سؤال جريء ومقلق..هل هناك ما يسمى بالأدب الإسلامي..؟

هذا يتوقف على تعريفك للأدب وتصنيفك له فالأدب في فهم كثير من المثقفين هو ابن الإنسانية ينطق بجميع لغاتها ولسان حالها ومقالها فيحكي مشاعرها ويتوجع لآلامها ويضحك لأفراحها وهو رمز الرقي وعنوان السمو الإنساني (أدباً قصصياً ورواية ومسرحاً ونقداً وشعراً) ولو تناولنا أحد مجالاته كالرواية مثلاً فإننا نجد الأدباء الأفارقة أمثال الروائي النيجيري الأسود تشينوا أتشيبي أو الروائي الأفريقي الأبيض ألان باتون ابن مقاطعة الناتال أو عبقري الرواية السوداني الطيب صالح يقفون جنباً إلى جنب في الرقي الأدبي مع الروسي دوستويفسكي أو ليو تولستوي أوتشيخوف أوالكسندر صولزنيتسن وهم لا يقلون عن الأمريكي ارنست هيمنجواي والإيرلندي صامويل بيكيت والمصري نجيب محفوظ. تقرأ لجميع هؤلاء وتطرب لإبداعاتهم. وجميعهم  عبروا عن بيئاتهم وجرت أقلامهم حرة تحكي واقعاً أو خيالاً. وهم استمدوا ثقافاتهم من بيئات ذوات أصول دينية (مسيحية في معظمها) وعبروا عنها. وحتى إن لم يتم تصنيف إنتاجهم الأدبي بكونه مسيحياً إلا أنه عبر عن معتقداتهم وبيئاتهم وثقافاتهم، ومن انحرف منهم عن معتقداته الدينية فانجرف نحو الوجودية أو الإلحاد أو غيرها فتلك الانحرافات هي بنات العقائد المنحرفة أيضاً. وكثير من كتابنا وأدبائنا الذين درسوا في مدارسهم أو نشأوا في أوطانهم وشربوا من ثقافاتهم حاولوا تقليد تلك المدارس الغربية أو الشرقية فأنتجوا أدباً هجيناً منسلخاً عن جلدتنا ولابساً ثوب غيره. بيد أنهم لم ينفكوا عن ثقافتنا وبيئتنا العربية الإسلامية وأرضنا الأفريقية وشعوبنا التي ورثت الحضارات القديمة وعبرت عنها مهما حاولوا التمرد عليها، فعروبة اللسان وطرائق البيان وموروث الوجدان لا يمكن فصلها عن بيئتنا وثقافاتنا وكذلك الإسلام فهو الذي شكل هويتنا وكياننا وأثرى مجتمعاتنا بلغة الخطاب ووجداننا بالمعاني الجميلة. وحين يكتب أدباؤنا مسرحية أو قصة أو رواية أو قصيدة مشبعة بمثل هذه المعاني فهو أدب إسلامي حين نصنفه شئنا أو أبينا. وأنا لا أشجع مثل هذه التصنيفات ولا أحبها فهي تصنيفات ساذجة، وحين أقرأ رواية فإنني لا أقرأها قراءة الناقد أو المصنف لأن ذلك يفسد لذة القراءة ويضيع أمتع اللحظات التي من أجلها كتب العمل الأدبي أصلاً، بل أعيش شخوصها وزمانها وأحداثها وأستمتع بذلك ولا يكون تصنيفها هو أحد عوامل تقييمي لتلك الرواية بل أقيمها بناء على الفكرة المبتكرة والسرد الجميل واللغة الرصينة والحبكة والمعالجة والشخوص وروح المؤلف في الرواية وغير ذلك. وبناء على هذا فإنني أعتبر كل رواية جميلة أدباً إسلامياً ما دامت تقدم أدباً نظيفاً سامياً فكل جميل من القيم والأساليب والمعاني هي الإسلام وليس الإسلام غير ذلك فالإسلام هو دين الفطرة. وهل هناك ما يسمى بالأدب الإسلامي؟ نعم كل أدب جميل هو أدب إسلامي وكل أدب قبيح لا يحسن أن نسميه أدباً. هذا هو فهمي.

= سقطت دولة الشعر وصعدت دولة الرواية، هل أنت مع هذه المقولة..أم ضدها،وما هو تحليلك لذلك..؟

لم يعد للشعر مثل مكانته القديمة رغم أن البعض مازالوا يطربون له ويحفظونه ويتغنون به، ولكل زمان دولته. ولا أقول سقط الشعر  من حيث جودة المعاني وجمال التعبير  فبعض شعراء هذا الزمان كتبوا قصائد تفوقت على شعراء القديم. وحين أقول هذا يقفز إلى الأذهان شيخ الشعراء المرحوم عبد الله الشيخ البشير:

على حدِّ السَنَا أمهيـتُ سيفي             فرفّتْ شَفْرتَـاه كما ابتغيتُ
وودّعتُ القُرى الأولى وَشِيكاً       وما اسْتَصْحَبْتُ إلا ما انتَويتُ
فهآأنَاذَا يُعــادي بي مِراحاً                 بِشطِّ الغيبِ مِرِّيـحٌ كُميتُ
رَصَائِعُه مصابيـحٌ سَهَارَى              لَهُنَّ خَوَاطِـرُ الحُذَّاقِ زيتُ
فطافَ بعَبقرٍ ليلاً فهــرَّتْ               كلابُ الجِنِّ عِـِرفيطٌ وشَيْتُ
فطارَ   فصاهلَ   الشِّعْرَى  فماجتْ  عَرَائشُ من بَشَائِـرِها جَنَيتُ

  فأنت تقرأ  مطلع قصيدته “البحث عن بيت شعر” ولا يخالجك شك أن هذا من كلام العجاج بن رؤبة أو الكميت بن زيد أو الطرماح بن حكيم . ولكن كم من الناس يطرب لمثل هذا الشعر في زماننا؟ هم قليل. فهذا زمن القصص والقصاص. وفي العهود التي تلت عهد النبوة حين ارتقت دولة الأدب فتهذبت بالقرآن واشتغل الناس برواية الحديث أصبحت أحاديث القصاص  رمزاً للانحطاط. الشعر في القديم كان يقال لمن تهزه المعاني فيطرب للإشارات ويفهم العبارات. والشعر في زماننا لا يسلي وأذواق الناس هبطت إلى دركات التفاصيل والبحث عن التسلية، والرواية تشبع عند الناس هذا النهم والفضول.

ماذا لو كنت مصطفى سعيد في رواية (موسم الهجرة إلى الشمال)..؟

شخصية مصطفى سعيد كما أراها هي شخصية مركبة وشديدة التعقيد، لا أحب أن أتمثل بها ولا أتخيل نفسي في موضعها، فهو ضحية لعوامل كثيرة من حوله أنتجت هذه التناقضات في شخصية مصطفى سعيد، فمن جانب نرى مصطفى الأكاديمي الناجح ابن القرية المحافظة  ومن جانب آخر نرى الوسيم الدون جوان الذي يلقي نفسه على أجساد النساء الإنجليزيات لينتقم من الإمبريالية البريطانية التي دنست وطنه، وهو بذلك يخالف أعراف بلاده وتقاليد شعبه. فالبنات البريطانيات يسمح مجتمعهن بإقامة مثل هذه العلاقات الجنسية والإجتماعية وكن يرين في الطلاب السودانيين خاصة والأفارقة عامة ظاهرة مثيرة وتجربة جديدة جديرة بالمغامرة ولكن هذا لم يكن مبررا لمصطفى سعيد أن يتعامل معهن بأعرافهن وينسى أعرافه ثم شخصية مصطفى سعيد الثائر على مجتمعه الغاضب منه فهو يعود إلى قريته ساخطاً رافضاً لمجتمعه غير متوافق معه. مصطفى سعيد هو  رمز أراد الطيب صالح أن يعبر من خلاله عن السوداني الذي هو ضحية للتدخل الأجنبي في بلاده وهو ضحية لتناقض المجتمعات وتنافر الثقافات واضطراب الأماكن والبيئات فهي التي صنعت من إنسان في مثل شخصية مصطفى سعيد الأكاديمي الناجح، شخصاً مريضاً منفصم الشخصية. وعموماً فتلك شخصية وهمية صنعها المؤلف بخياله الخصب وهي ليست الشخصية التي ينبغي أن أكونها، ولو تخيلت نفسي موضع شخصية وهمية في إحدى الروايات لوضعت نفسي مكان “سيسي بن أبيلو” في روايتي (ترجمان الملك) فهي أقرب ما تكون للواقعية والارتباط بالمكان والأحداث والزمان.

 

=أصواتنا الروائية (هتافية)،أحياناً،رواياتنا بلا فكرة..؟

لا أتفق معك. أنظر روايات الطيب صالح فقد كان يريد توصيل فكرة واضحة في كل رواية. ورغم أن الغموض كان يلف شخصية مصطفى سعيد ورغم أنه صنع منه شخصية معقدة إلا أن الفكرة التي أراد أن ينقلها للقاريء من خلال شخصية مصطفى سعيد كانت واضحة فقد كان يريد أن يقول للبريطانيين إننا لسنا مثلكم فأنتم مثل شجرة سنديان شامخة وارفة الفروع في أرض منت عليها الطبيعة بالماء والخصب، ولكننا نحن أهل السودان كشجيرات السيال في صحارى السودان، سميكة اللحاء، حادة الأشواك، تقهر الموت لأنها لا تسرف في الحياة، تعيش أصيلة رغم الطاعون والمجاعات والحروب وفساد الحكام. الطيب صالح كان ينقل فكرة واضحة من خلال جميع شخصياته: شخصية ود الريس (الفحل البذيء محب النكاح) اللامبالي في مقابل حاج احمد (الجد)  صورة السوداني النقي، أو صورة الطهارة لأصحاب “الجنة”، “حاج أحمد هذا طول اليوم في صلاة وتسبيح كأن الجنة خلقت له وحده” ويقدم مفهوم المرأة في المجتمع السوداني القديم باعتبارها موضوعاً للنكاح فقط، ليبدو الجنس مرادفاً للفحولة، وهكذا. وبغض النظر عن اتفاقنا معه حول صور شخصياته أو اختلافنا فإن كل شخصية من شخصيات الطيب صالح فكرة قائمة بذاتها وكل رواية من رواياته أعجوبة من الأفكار للمتأمل. وهذا غيض من فيض، وأما الهتافية فهي غثائيات لا ننسبها لأنفسنا ولا نزعم أنها روايات..

 = هل تظن أن (العامية السودانية) ناجحة روائياً في تقديمنا للآخر..؟

نحن لم ننجح في تقديم عاميتنا للغير لأننا لم نكن نملك الوسائل الملائمة التي تمهد لتقديمها للآخرين في حين نجح غيرنا في جعل عاميتهم صديقة لآذان السامع والمتلقي العربي. غيرنا نجح من خلال الأغاني والأفلام والمسلسلات وحتى الصحافة، ونجح في إحداث زخم سياحي لبلاده أدى إلى تلاقح الثقافات العربية واللهجات، ونتج عن ذلك أنهم لو كتبوا بالعامية فكتاباتهم تكون مفهومة يقرأها المتلقي العربي ويتفاعل معها. ومنذ أجيال في القرن الماضي حين انطلقنا بفنوننا وآدابنا في افريقيا والوطن العربي أحدث ذلك تمازجاً وتأثيراً كبيراً، غير أننا عدنا فانكفأنا على أنفسنا وتمحورنا حول ثقافاتنا الداخلية نمضغها ونعلكها فيما بيننا ونستحي أن نهديها للآخرين فاكتسبت لهجتنا النكارة وجعلتها تلك الغرابة محلاً لعدم القبول بل والتندر أحياناً من قبل أجيال من الشباب الذين كانت شعوبهم تقبلها في القديم وتطرب لها ولكن الأجيال الجديدة لتلك الشعوب لم تعد تعرفها وبذلك فهي لا تألفها. وبهذا الوضع الحالي تجدني لا أنصح باللهجة العامية السودانية لكتابة الرواية إلا في الإطار المحلي أو المكتوبة بعناية ، وليس ذلك ناتجاً من عدم الثقة في عاميتنا بل لأنه ينبغي أن يمهد لذلك بتصدير الثقافات السهلة للمشاهد والمستمع العربي. (المسلسلات والمسرحيات والأفلام والأعمال الإعلامية الناجحة) عبر الفضائيات السودانية وقليل من الأعمال الروائية التي تكتب وفي الأذهان القراء العرب وخاصة دول الخليج التي استقبلت أجيالاً متوالية من العمالة السودانية.

= كتابك (حرب المياه..حلم اسرائيل يتحقق)،ماذا تريد أن تقول عبره في جملة مفيدة ..؟

أردت أن أقدم رؤيتي وأدعمها بالأدلة حول حقيقة دور اسرائيل في التحريش بين دول حوض النيل وكونها هي من يقف وراء الخلافات الإقليمية ويؤجج نيران العداء ويحاول إشعال فتيل الحرب القادمة للسيطرة على مصادر المياه في المنطقة، كما أردت أن أقدم قراءة هادئة لبدائل الحلول من أجل الاستفادة القصوى من مصادر المياه وتوظيفها لمصلحة دول حوض النيل وطرق حل الخلافات ومشاركة القاريء العربي والمحلل الاستراتيجي ومتخذ القرار ما يدور في الساحة هذه الأيام من تطورات خطيرة في ملف مياه النيل خاصة بعد قرار إثيوبيا إنشاء سد النهضة. حرب المياه كتاب مختصر  ومباشر.

 = رواية (ترجمان الملك)،الرؤية والضوء،هل هي مرافعة تأريخية تريد أن تؤكد فرضية تأريخية معينة ..؟

هي رواية وليست تاريخاً والروايات لا تعلل. وليس جميلاً أن أتحدث عن روايتي فأشرحها أو أبين القصد منها لأن دوري انتهى بكتابة الرواية ودفعها للقاريء ليكون هو الحكم لها أو عليها. وأكتفي هنا بسرد البعض القليل من آراء القراء والنقاد ماذا فهموا منها وما هي تعليقاتهم عليها:

(1) الأستاذ الدكتور عثمان أبوزيد:  “ترجمان الملك تجمع بين الحقيقة والخيال في قالب إبداعي، يضع هذه الرواية في مصاف الروايات العالمية”…. وأول ما يشدّ انتباه القارئ لرواية ترجمان الملك؛ أسلوبها الجزل ولغتها الرصينة التي تستعير ألفاظاً وأسماء من لغة هذه البلاد وبيئتها، تضفي جواً من الغموض الفني، فينتقل الخيال إلى الماضي ليعايش صوره وملامحه… وتقوم بنية الرواية على سرد متناغم يتوغل في أعماق الشخصيات، ليصف عالمها الداخلي ، وما يدور فيه من خواطر نفسية، أو حديث مع الذات، وهو ما يسميه النقاد بـ “السرد النفسي”… وإذا كان من توصية نختم بها هذه الورقة ، فهي أن تتبنى مؤسسة إعلامية تحويل رواية “ترجمان الملك” إلى عمل روائي سينمائي ، فالرواية نواة جيّدة لإنتاج فني خلاّب.” الأستاذ الدكتور عثمان أبوزيد – المستشار في رابطة العالم الإسلامي : (القصة الأدبية في خدمة السيرة النبوية:  رواية ترجمان الملك مثالا – ) نصوص من البحث المقدم إلى المؤتمر العالمي الأول للسيرة النبوية الشريفة الخرطوم 29- 30 صفر 1434هـ الموافق 11- 12 يناير 2013م – جامعة أفريقيا العالمية  كلية الشريعة والدراسات الإسلامية.

(2) د. عادل عبد العزيز محمد حامد – مقال نشر بصحيفة سودانايل :  رواية ترجمان الملك لوحة فنية رائعة الجمال. عندما تبدأ القراءة لا تستطيع أن تتوقف الى أن تصل الى نهاية الرواية فهي من النوع الذي يمكن أن يطلق عليه السهل الممتنع فهي رواية سلسة محكمة الحبكه وهي تجمع بين الحقائق التاريخية والخيال في قالب فني متألق فهي بحق تستحق القراءة وهي تماثل رواية دافنشي كود في الطريقة ولو وجدت مخرجاً جيداً لصنع منها فيلماً عظيماً.”

 (3) الكاتب الصحفي صلاح عمر الشيخ صيحفة أخبار اليوم السودانية وصحيفة فنون وجريدة البلد أعداد 6 مايو 2013. : ” الدكتور عمر فضل الله فى رواية ترجمان الملك على خطى الطيب صالح وتفسير الدكتور عبد الله الطيب فالرواية بأسلوب سردها الشيق واهتمام كاتبها بالتفاصيل والحكايات التراثية وسرد التاريخ ودمجها مع الخيال المحبب الذى لايفسد القصة الحقيقية يجعل هذه الرواية في مصاف الروايات العالمية وهذا ماسيحدث إذ قدمت له عروض لترجمتها لأكثر من لغة خاصة أنها تحكي فصلاً هاماً في التاريخ الإسلامي وهي الهجرة الأولى للحبشة وملكها النجاشي .”

(4) الأديبة الروائية بثينة مكي: ” ..الآن اكملت رواية ترجمان الملك ..أقول الحق ..لقد أدهشتني ..و كنت أظن أنني تجاوزت مواطن الدهشة في الإبداع المكتوب فقد أغرقت نفسي في بحور الكتب وأدمنت السباحة بين موجات سطورها ..ترجمان الملك رواية بديعة هي مزيج متجانس من الواقعية السحرية ..مزيداً من الابداع ..ولك التحية و الود “.

(5) الناقد الأديب: محمد الشيخ: ” ترجمان الملك…رواية ممتعة مسترسلة….غنية بالمعلومات التاريخية…شخوص الرواية يؤدون أدواراً وضعها الراوي وفي نفس الوقت يتلقفها المتلقي كأخبار جديدة….مفردات السرد تدخل القارئ في محيط الدهشة والإبهار….تعمد الراوي إدخال معلومات هي في الأصل قديمة لكن وضع لها طلاء زاهياً علي سبيل المثال طيور الهلاك أي طير الأبابيل…..مازج الراوي بين المسيحية والإسلام حسب زمكانية الشخوص التي بنيت بها الرواية….يتمتع الراوي بقدرة هائلة في الوصف….هذه بعض من الملامح العامة لرواية عظيمة سيحتفي بها قارئها في المحيط المحلي والإقليمي والعالمي….مبروك يا دكتور مزيدآ من الإبداع.”

(6) أشرف عبد الحميد:  “إن اثنيت على هذه الرواية فقد اجحفت في حقها, فهي اروع من ان تمتدح في كلمات, من اروع ما قرأت”.

(7) علي عثمان:  “اطلعت في ليلتين علي رواية ترجمان الملك للدكتور الأديب عمر فضل الله ولولا بعض الأشياء لأكملتها في ليلة واحدة فهي مشوقة للحد البعيد التي تجعلك تلتهم كل صفحاتها مرة واحدة , ترددت أن اكتب تعليقي عليها خشية أن يكون ذلك دون المقام الرفيع للراوي والرواية ولكني تجاسرت علي ذلك وكتبت تعليقي عليها رغم تواضعه لكنه يعبر عن فهم قارئي بسيط لملاحظات بسيطة بعد انتهاء الرواية مباشرة وأعتقد أن هذه الرواية تستحق القراءة والاطلاع عليها وبذل الجهد في اقتنائها ووضعها تحت الراس كل ليلة للتأمل والتشوق “.

 (8) ناهد محمد:  “هذه الرواية تحتاج للوقوف طويلآ أمام عتباتها لكي نفسر مواطن الجمال والسحر والخيال والدهشة الذي جمعته في آن واحد فهي قلادة الشرف التي يجب أن تعلق علي جيد إبداع أديبنا ومفخرة السودان الموسوعي تنم عن شخص مترع بالتجارب ومثقل بالحكايا التي تجعل التاريخ يجثو علي ركبتيه بل هو جزء من ضروب الأحداث . أتمني لهذه الرواية أن تكون في مصاف العالمية وأن تملأ البلاد عبقآ أدبيآ ، فهذا مجهود لم يذهب سدي فأمتعنا كثيرآ وأخذنا في عوالم الدهشة والمتعة والخيال والتاريخ”.

= مركز الدراسات الإستراتيجية ،والمركز القومي للمعلومات ضاعا وسط الأمواج الكثيفة،هل من شراع جديد لهما، وأنت من المؤسسين لهما؟

هذان المركزان هما مثال فقط لبعض ما انتزعته مراكز القوى التي سعت للسيطرة والحكم وكنت قد أسهمت في تأسيسهما حين حضرت إلى السودان من المملكة العربية السعودية لأنهض بالوطن – مع بقية العلماء والعقول المستنيرة – وفق رؤية علمية منهجية واعية ومستنيرة، ولكنهما وقعا ضحية الصراعات غير المبررة والتي نشأت حول محاولة السيطرة على الإنقاذ منذ مجيئها وسعي الفرقاء من السياسيين للاستحواذ على مراكز السيادة ومؤسسات بناء الدولة. ورغم عدم انتمائي لأي فريق سياسي فقد وئدت هذه المراكز  ووئدت معها الاستراتيجية القومية قبل ميلادها. وحينها أدركت أن إنقاذ البلاد عبر هذه المؤسسات بات في حكم غير الممكن وأن إسهام من هو مثلي في البناء والإصلاح هو ضرب من النفخ في رماد الحريق الذي صنعه أولئك الشركاء المتشاكسون فآثرت الهجرة إلى بلاد الخليج. والآن وبعد مضي عشرين عاماً على هذه الأحداث ورغم ذهاب مراكز القوى واعتزال شخوصها قيادة البلاد إلا أن قراءتي لواقع الحال تقول إنه لم يحدث ما يستحق إعادة النظر فيما دفعني للهجرة ، فما زالت طاولة الحوار المستديرة تدور حول نفسها، ورؤيتي لن تتغير إلا إذا تحول الحوار الحالي الذي يدور بين غير أهله ومع غير أهله من الذين أسهموا في صناعة التخلف إلى حوار مع العلماء والعقول المنتجة للوصول إلى استراتيجية إيجابية وعملية للتغيير والتطوير والبناء الحقيقي وأشرك العلماء الذين يملكون مفاتيح التغيير والنهضة من أبناء السودان في تغيير واقع الحال وتحولت الرحى التي تطحن كلاماً وحواراً إلى رحى تنتج قمحاً ودقيقاً وتنمية. وحتى لو حدث هذا كله وكنا قد خططنا للتغيير والتطوير منذ عشرين عاماً، أليس للزمن قيمة في عمر هذه الأجيال السودانية التي حرمت من التغيير؟

= كتاب الفكي الفحل الطاهر (تأريخ وأصول العرب بالسودان) قمت بتحقيقه،الخلاصة والحقيقة الجلية.؟

“تاريخ وأصول العرب بالسودان” الذي جمعه الفحل بن الفقيه الطاهر في آخر عمره، وطبع بعد وفاته يعتبر  من المؤلفات السودانية القليلة في تاريخ العرب بالسودان التي كتبها مؤرخ سوداني فلم يصدر قبله إلا عدد قليل من المؤلفات التي تنسب إلى مؤرخين سودانيين، مثل الدكتور مكي شبيكة والأستاذ الدكتور يوسف فضل حسن. ومعظم المؤلفات في تاريخ السودان كتبها مؤرخون مستشرقون، أو باحثون أجانب (مثل ماكمايكل، أو تيرمنجهام أو نيكولز أو كراو فورد) أو كتبها رحالة ومنصرون أمثال (فرن الرحالة  الألماني الذي زار السودان في خلال سنتي 1840 – 1841م وألان مورهيد أو بروس أو لوبو) أو كتبها مؤلفون عرب من غير السودانيين (مثل الشاطر بصيلي عبد الجليل، ودكتور شوقي الجمل، ودكتور زاهر رياض وابراهيم فوزي وغيرهم). ومعظم مؤلفات هؤلاء الأخيرين كتبت إبان الوجود المصري الإنجليزي في السودان أو بعيد الاستقلال بفترة قصيرة. وقد بذل المؤلف – رحمه الله- جهداً كبيراً في جمع مادة الكتاب حيث سافر إبان شبابه إلى كثير من القرى والأمصار وقابل الثقاة ونقل عنهم، فأخذ بذلك من مصادر نادرة انفرد بها  كما توخى الدقة في جميع ما كتبه وحرص على الوصول إلى المصادر وحينما لا تتوفر المصادر  كان يكتب عن ذلك ويعتذر عن التقصير بكونه قد بلغ التسعين من العمر فلا يقدر على الأسفار والترحال و التجوال في البلاد.  وقدطبع الكتاب طبعة واحدة فقط وكانت بعد وفاته رحمه الله فقد فرغ من تأليف الكتاب في عام 1962 ولم يتم طبعه إلا في العام 1976 على نفقة الرئيس الأسبق جعفر النميري رحمه الله ولكن تلك النسخة الوحيدة نفدت من الأسواق منذ أكثر من ثمانية وثلاثين عاماً واختفت من المكتبات، ولم يقم أحد بإعادة طباعتها رغم أهمية هذا المرجع الذي لا غني لمن يكتب في تاريخ العرب بالسودان، بل لا غنى لمن يكتب في سير وأنساب وتاريخ القبائل العربية بالسودان عنه. وكنت قد اطلعت على هذا الكتاب منذ عدة عقود مضت، ولاحظت الطباعة السيئة والإخراج الرديء الذي لا يليق بهذا الكتاب، فكان ذلك أول ما حفزني لإعادة جمع وإخراج وطباعة الكتاب، ثم شغلتني الشواغل والسفر حيناً من الدهر وضاعت مني نسخة الكتاب ضمن ما ضاع من مكتبتي.  ثم أعارني أخي وابن خالتي – الدكتور إبراهيم على الجعلي- حين كان يعمل بأبوظبي بالإمارات العربية المتحدة نسخته من هذا الكتاب والتي كان قد اقتناها وحرص عليها زمناً طويلاً، لما رأى من حرصي على إعادة طباعة الكتاب، فحفزني ذلك لبذل الجهد لإعادة جمع متن الكتاب، ثم بدأت في كتابة الحواشي والتعليقات على مادته وما ورد فيه، وبمرور الأيام تجمعت عندي مادة رأيت أن أشرك القراء في الاستفادة منها، خاصة بعد أن استفاض الجدل والحوار والنقاش حول أصول العرب بالسودان وأنسابهم بين مثبت ونافٍ ومشكك ومحقق، وناقد ومدقق. فقمت بتحقيق مصادر المؤلف التي ذكرها رحمه الله في آخر الكتاب فدرست تلك المصادر واجتهدت من التحقق منها، لا سيما وأنها مصادر أصلية سعى إليها المؤلف وسافر إلى بقاع السودان ليصل إليها في وقت  كان شد الرحال فيه صعباً كما اجتهدت في تنظيم مادة المتن وتنسيقها وضبطها وتقييد النصِّ بالحركات ما أمكن كما ذيلت النص بالشروح والحواشي والتعليقات والهوامش مع الإشارة إلى المراجع. وذكرت الآراء المخالفة  وقارنت بينها وأحياناً أبدي رأيي أو أرجح قولاً على قول مع التعليل عند الترجيح. كما أوضحت المبهم المغمور فعرفت به وتركت المشهور وقمت بتخريج بعض الروايات ورددتها إلى أصولها وقمت بنقد النصِّ وعلقت عليه وذكرت المراجع العربية والأجنبية. كما أضفت ملحقاً عن المؤلفات المفيدة في تاريخ العرب بالسودان. وختاماً نقلت مقولة المؤلف التي لخصت الهدف من تأليف الكتاب وهي صلة الرحم التي هي من أسباب دخول الجنة وليس الهدف من تأليف الكتاب هو ما  يدور هذه الأيام من لجوء الكثيرين إلى التفاخر بالقبائل والأنساب فهي عصبية منتنة نهى الإسلام عنها.

= بيتكم خلف مسيد إدريس ود الأرباب،التكوين الوجداني لك من هنا..؟

نشأت في بيئة صوفية مثلي مثل بقية أهل العيلفون، وشهدت حلقات الذكر وضرب النوبة والطار في الأمسيات ومراسم الاحتفالات بالأعياد وضرب النحاس، واحتفالات الخلوات ومجيء الحيران وعرضة “العشيبية” وقد تأثرت بهذه المشاهد منذ الصغر كما تأثر أقراني وأسهمت في تكوين وجداني، غير أن بيئة خلاوى القرآن هي التي أسرتني أكثر من غيرها. ورغم حفظ القرآن وتعلم العلم إلا أنه قد بقيت في روحي بعض وجدانيات الدرويش الذي تهزه المدائح ويسمع النوبة فيرجحن. وقد نبهني بعض الإخوة مؤخراً إلى أن بعض قصائدي هي ضرب من الوجد القديم الصوفي، بعد أن لم أك منتبهاً لهذا وذلك مثل قصيدة “حى قيوم” التي تقول:

حي قيوم .. قيوم حى

قلبي طير في قفص الأضلاع..

يخفق مذ قلت له كن..

سبحانك

دَقَّ فَدَقَّ .. وعَظُمَ فَرَقَّ

وعَرَفَ فأبصَر.. أن الكون الحىْ

وغير الحيْ وغير الكون

بدون رضائك ليس بشيْ

أحب فخفق بنبض الحب

وحب الرحمة فيء الفيْ

وانسكب جمال ونور جلال بهائك

فوق ظلام ودجن الغىْ فانفرد الطىْ

نفسي مهجٌ رويت وامتلأت رىْ

قلبي بهِجٌ ٌ بلباس التقوى نعم الزىْ

ولساني لهجٌ بالتهليل يسبح للقيوم الحيْ

حي قيوم، قيوم حى

وقد علق الأستاذ الشاعر والأديب ياسر خيري عليها بقوله: (تلك الروح القَلِقة في سبعينات القرن الماضي وثمانِينِياته وتلك العوالم و(الفانتازيا) تستحِيل في القرن الحالي ليقين وإيمان ونزعة صُوفِيّة تتلَبّس الحب الآخر ) وحين أنكرت هذه النزعة قالت الأستاذة عفراء عبد الحميد: (لم يدهشني قولك أنك لست صوفيا فأنا لست بصوفية أيضا … لكن الذي أدهشني أن تلك القصيده أيقظت بداخلي درويشاً بجلباب و مسبحة يدور في حلقة ذكر مغلقه .. ربما وكما قال استاذ ياسر خيري والاستاذ حسن محمد لأن بداخل كل منا يكمن ذلك الصوفي يطل برأسه رغم انكارنا له … وحي قيوم).

 =ماذا عن سوق ود ريا بالعيلفون ..؟

رغم مضي أكثر من خمسين عاماً على طفولتي الباكرة ومرافقتي لأبي  (ودريا) رحمه الله في سوق ودريا  إلا أن أذني مازالت حتى الآن تسمع نداءات “شيخ ادريس ود القش” و”أحمد ود ابزيت” و”الخضرجية” وهم ينادون لبيع الطماطم والعجور والبصل، وثغاء الأغنام والشياه التي يأتي بها “عبد الله ودبابكر” و”ودبهاء الدين”، وصوت أبي وهو يطلق صيحات الإعجاب حين يكون قد ذبح خروفاً سميناً، أو وهو يمدح رافعاً صوته: “شويم شويم شال القافلة.. وبيمشي من عصير للنافلة” أو حين يتغنى بأبيات الحكمة في أشعار “ود الرضي” وقد كان راويةً من رواته.  و”بتول بت ست الدور” يتبعها كلبها المعروف، وفضل الله “فليل” فراش المدرسة الابتدائية وهو يمر راكباً البسكليت متجهاً نحو المدرسة. وإخواني إسماعيل وعلي وختم ومعنى.. ومنظر الخراف المعلقة في المسلخ والزبائن حين يتقاطرون حول تربيزة أبي.. والحدأ المحلق فوق رؤوسنا المتربص لخطف بقايا اللحم أو الشحم، وأصوات طائر  الكركي “أبي السعن” وهي تتقاتل حول الأظلاف المتناثرة في الجزء الشرقي  للسوق، والجالسون في الظل من المسافرين الذين ينتظرون “سفريات همام وأولاده” الذي كان يأتي من رفاعة ولا يتخلف عن مواعيده وكان يمكنك أن تضبط ساعتك بدقة على مواعيد حضوره،  وكذلك “بص الدبيبة”. كان عالماً كاملاً مليئاً بالأحداث الجميلة والذكريات الحلوة رأيت فيه شتى أنواع البشر وتعلمت فيه أصول التعامل مع الناس، واكتسبت الكثير من صفات أبي وشخصيته التي يحبها الجميع. كان أبي امبراطور السوق فهو الذي يملي الأسعار كل يوم وهو الذي يحيل السوق إلى  عالم من البهجة والمرح بتعليقاته الساخرة المحببة، وكان الناس يأتون إليه من البعيد فميزانه لا يطفف أبداً وبضاعته هي الأجود وهو لا يكترث للسعر ولكنه يحرص على الزبائن. لا أزال أذكر المنافسة حين تشتد وتحتدم بينه وبين “الجيلي ودشتور” و”داود” والماحي” و”الطيب خير” و”المومن”. وكان يكسب في كل جولة فهو خصم عنيد ومن ينافس أبي كان يرحل في آخر الأمر لينتقل إلى سوق آخر، وقد حدث هذا أكثر من مرة. و لا أزال أذكر ذلك اليوم حين تحداه الجزارون فاجتمعوا واتفقوا عليه  وأرخصوا الأسعار جداً في ذلك اليوم لتبور بضاعته ويرحل عن السوق ولكنه بدلاً من أن يرحل أتى بمراح “قطيع” كامل من الخراف أكثر من ثلاثين خروفاً وأمر جميع إخواني أن يبدأوا الذبح ولا يتوقفوا أبداً وأخذ يصيح” الليلة ببلاش ببلاش”. أذكر يومها أن بقية الجزارين جاءوا جرياً يمسكون بأيدي إخواني حتى لا يستمروا في الذبح بعد أن ذبحوا أكثر من عشرة خراف، وأخذ داود الماحي يصيح: “الله ليا من ودريا”. وانتهى بهم الأمر إلى الرحيل إلى سوق الشجرة وتركوا السوق لودريا لينفرد به وحده امبراطوراً بلا منافس. أمر اليوم على سوق ودريا فأراه أطلالاً حزينة وبقايا “دكاكين” تشهد على ماض تولى،  وأغمض عيني فيعود سوقاً عامراً وعالماً حياً، هو مجتمع كامل صنع مني إنساناً!! رحمة الله عليك يا أبي.

= اسحق فضل الله روائي ضل طريقه للسياسة..؟

إسحاق فضل الله يستطيع أن يكتب في كل شيء فهو عالم قاريء ومطلع في كثير من ضروب المعرفة والعلم، وهو الرجل الزاهد الذي لا تهزه الدنيا مهما أقبلت أو أدبرت. إسحق فضل الله هو هو لم يتغير منذ الصغر فهو جريء صلب العود عنيد في كل شيء يزيده التحدي إصراراً، يرى الناس على وجهه قناعاً من الجمود والقسوة والغلظة، ولكنه أوتى قلباً رقيقاً جياشاً بالمشاعر عامراً بالخوف من الله. إسحاق فضل الله شاعر وأديب قلما تجود بمثله الأيام فهو يكتب القصة الحزينة فلا تملك إلا أن تبكي وأنت تقرأها، ويكتب القصة المفرحة فتحلق معه في سموات الفرح الجميل. تعبيراته بسيطة ولكنها مؤثرة وتنفذ إلى القلوب. ولكنه ذبح عبقريته الأدبية على أعتاب قناعاته السياسية وهو يعمل بتفان وإخلاص للدفاع عن تلك القناعات، ويعتبر أنها دين وهو مستعد لأن يموت في سبيلها غير مبال – ولا يهمني الآن بيان صوابها وخطأها – ولكنني أقول في هذه العجالة إن الأدب السوداني قد خسر كثيراً يوم أدار له إسحاق فضل الله ظهره.

 = الهجرة،أخذت منك وأضافت لك..؟

الهجرة سرقت شبابي وعمري وعلاقاتي الاجتماعية وأصدقائي وأقراني سرقت سودانيتي، أخذت فرحي مع من يفرحون ومواساتي من يحزنون ومشاركتي أهلي في مناسباتهم،جعلتني إنساناً على هامش حياة السودانيين بعد أن كنت ملء السمع والبصر والفؤاد، فأصبحت إنساناً لا يسأل الناس عنه إذا غاب ولا يكترثون له إذا حضر. ونشأت أجيال كاملة وهي لا تعرفني بل تنظر إلى بعين الريبة حين تشاهدني في طرقات العيلفون وعيونها تتساءل: من هذا الغريب المتنكر في ثياب أهلنا؟ تجاوزتني الأحداث ونسيني الناس. الهجرة حرمتني أن أكون إضافة مفيدة لأهل السودان. الهجرة شر مستطير.

وبالمقابل أسهمت بالهجرة في بناء وطن آخر في الإمارات، شيدت مؤسسات وأنظمة كنت أحلم بتشييدها في بلادي وأنجزت مشاريع ضخمة وواكبت أحدث التقانات واكتسبت المزيد من الخبرات والأصدقاء والمعارف الجدد وأنشأت علاقات مع كثير من الأجناس، وفي الهجرة وجدت الوقت لأكتب وأدون وأخلو بنفسي وأفكر. ولو قارنت ما أضافت مقابل ما أخذت فإن ما ضاع مني بالهجرة لا يعوضه شيء.

 = نحتاج أن ننتصر على الجراحات،أحشد الأغلبية خلف هدفك لتنجح بحق، إياك والظن أنك الرجل الذي يشكل أغلبية،ورقة يحتاجها الوطن هذه الأيام،لمن ترفعها وفي وجه مَنْ ..؟

لسئت متفائلاً وفقما أرى الآن. فلست أرى في الأحزاب الحالية حزباً مؤهلاً يستحق أن نحشد الأغلبية خلف هدفه لأن أقصى أهداف هذه الأحزاب جميعها هو الوصول للحكم وليس وراء ذلك شيء. وهو هدف لا يحفزنا لندعو له أبداً ما لم يكن وراءه طرح واضح وبرامج نهضوية ناضجة نابعة من خطط مدروسة ووسائل مجربة للتغيير والنهوض بالبلاد. دعنا نواجه الحقيقة المؤلمة التي لن تعجبك وربما تغضب الكثيرين، ولكنني أؤمن أن مواجهة الحقيقة بشجاعة وتقبلها هي أول خطوة في الطريق الصحيح. التجمعات الحالية هي إما أحزاب تقليدية مارست الحكم من قبل ولم يعد لديها الكثير لتقدمه لأن قياداتها القديمة وأساليبها العتيقة لم تتغير، أو هي تجمعات ناشئة يقودها سياسيون موتورون أو منشقون أو مفصولون من تلك الأحزاب التقليدية، وحتى النظيفة منها هي تجمعات منبتة لم تنجح في التواصل مع القواعد ولم تستقطب العقول فأصبحت جزراً معزولة في بحر الوطن الكبير، وبهذا أصبح كلا الجانبين ضعيفاً وغير مؤهل ويطرح إما رؤى قاصرة وناقصة أوبرامج غير ناضجة أو قيادات لم تلق القبول الواسع وإلا لتبعهم الناس وآزروهم ونصروهم لو لمسوا فيهم صدق التوجه. الشعوب لديها حاسة لا تكذب في الحكم على مثل هذه التجمعات.  ونحمد الله أن هذه الأحزاب مجتمعة لا تشكل أغلبية فالأغلبية هي الشعب غير المنتمي لتلك الأحزاب، هي الشباب والنساء والأطفال الذين لم يحترفوا السياسة ونأوا بأنفسهم عما يدور من معارك ونعرات.  ومن أسف فإن النظام الحاكم لا يستمع إلى الأغلبية ولا يخاطبها أصلاً فهو قد فقد أدوات الخطاب والتواصل معها وإنما يستمع لمجموعة من السياسيين الذين لا يمثلون شعب السودان. وتسألني ما الحل فاقول لك إن الواجب يقتضي الآن التجمع الفوري  للعلماء “الحقيقيين”  لتشكيل قيادة تجمع السودانيين حول الهوية الوطنية، وترفع شعار “الوطن فوق الجميع” وتنبذ الحزبية بالجملة وتدعو للولاء للوطن فقط، وتدعو للبناء والتنمية وتدعو لوضع خطة محكمة ومتكاملة للنهوض بالبلاد. هؤلاء هم الذين يستحقون أن نحشد الأغلبية خلفهم لننجح بحق.

هذا ملخص ورقتي أرفعها لعلماء البلاد ولكن لا يهمني في وجه من أرفعها.

 =الحوار الوطني لاينجح في بلادنا النجاح المطلوب إلا إذا كانت كل أحزابنا تستطيع العمل بنظام (التيم ويرك)،هل أحزابنا تستطيع ذلك..؟

كيف ينجح حوار بلا أجندة واضحة ولا منهج ولا أهداف؟ كيف ينجح حوار لا يسأل الأسئلة الصحيحة لمشكلات الوطن ولا يشخص أدواءه وعلله؟ كيف ينجح حوار مع من يعلن قبل الحوار أنهم ماضون فيما هم فيه وأن الحوار لن يغير شيئاً؟ وتقول (تيم ويرك – أو عمل جماعي) وأقول لك متى عرفت الأحزاب السودانية العمل الجماعي؟ لقد ترسخ في فهمنا منذ أن كنا طلاباً وهواة للعمل السياسي أن التمثيل النسبي في الانتخابات لا يأتي بإتحادات قوية وإنما تكون الإتحادات قوية عبر الانتخاب الحر المباشر، والذي يأتي في العادة بفوز توجه واحد فقط ينفرد بالقيادة!! الأحزاب الحالية تتقن الخطب والكلام ولكنها لا تعرف العمل ولا العمل الجماعي. الحوار لا ينجح حين يفقد الطرفان الاستعداد لقبول الآخر  بل حين يفقد الطرفان مجرد الرغبة في الاستماع للآخر.

= تفشل الدولة في إدارة التنوع الثقافي إذا كان العقل الوحيد لها (سياسي واستبدادي)..ماذا تقول في هذا..؟

التنوع الثقافي في المجتمعات المتطورة هو من عمل المجتمعات وتحت إدارتها وليس من عمل السلطة. والأمر الطبيعي هو أن يكون  المجتمع مستقلاً عن السلطة في نشاطه الثقافي وسابقاً عليها في مبادراته. وحين تمارس الدولة رقابة الأخ الأكبر فتتسلط على النشاط تقتله. حتى السياسة في المجتمعات المتقدمة هي ثقافة ممتعة، ولكنها في بلادنا غول قبيح يفتك بكل نشاط ويجثم على الصدور. وحين تتخلى الدولة عن العقول المستنيرة فطبيعي أن تنتقل السلطة بالوراثة للعقول المستبدة فلم العجب؟

= نصف الحل عند الآخر، إذا الآخر هو المكسب الحقيقي،نحن نكتمل به، فلماذا نؤجل اكتمالنا بإستبدادنا الصعب..واقعنا السياسي كله هكذا،هل من سبيل للحل ..؟

أين هو الآخر؟ بل من هو الآخر؟ استيقظ أيها الحالم.

= ليس هنالك تواصل للأجيال عندنا،تجاربنا مقطوعة وتجريبنا متوقف،والمستقبل أمامنا ليس على قدر الحلم الكبير بالوطن..؟

في واقع الحال لا توجد أجيال أخرى. هو جيل واحد ظل يتكرر منذ الاستقلال وحتى اليوم. هو هو نفس الجيل. مضى عليه نصف قرن وأكثر وهو هو جيل واحد يتكرر كل عشر سنوات. الأجيال في الدول الأخرى تتجدد وتتغير كل عشر سنوات وترتقي وتتواصل. الجديد يرث الأصالة من القديم ويكتسب الحداثة من قرنائه ويتواصل. نحن لا نملك تجارب بل نملك تجربة واحدة مكررة طوال الأجيال دون تغيير يطرأ عليها ولا تحديث. وأما الأحلام فهي كل ما بقي لدينا لنتمسك به, ومن سنن الله في الأرض أن الأحلام الجميلة لا تصبح واقعاً إلا لمن أوتي حظاً من إيمان وصلاح فاللهم ارزقنا الصلاح والإيمان. وأما المستقبل فهل ترى مستقبلاً لأجيال ليس أمامها إلا الأحلام؟ حدثني عن المستقبل إن كنت تراه أمامك فأنا لا أراه أمامي.

 = المعرفة ليست كتباً تقرأ ونتحدث عنها،إنما ممارسة عملية حقيقية فياضة للعلم والتجريب..لعلك تتفق معي أن لدنيا إشكالية كبيرة في مفردة (المعرفة)..؟

العلماء في القديم كانوا يقرنون العلم بالعمل، وكل علم لا يؤدي إلى عمل فهو وبال على صاحبه، وبهذا الفهم أخرج علماء الأمس علوماً ومعارف أدهشت العالم وحيرته وجعلتنا نقود العالم من المغرب وحتى أقاصي الصين. المعرفة الحقيقية علم وعمل، والإيمان علم وعمل.  وإشكاليتنا ليست في مفردة المعرفة وإنما إشكاليتنا هي في مناهجنا التي جعلتنا نتخلف عن العالم وكأننا في مجرة أخرى في ركن قصي في درب التبانة اسمه “كوكب السودان “!!

= التدين التنموي هو الذي نبحث عنه هذه الأيام..؟ = هل سقطنا بما يكفي معرفياً وجمالياً وتراجعنا للوراء كثيراً..

نحن نبحث عن الفهم الصحيح للدين. فالدين في حقيقته هو الدين لم يتغير ولا يتغير منذ أن خلق الله السموات والأرض ولكن فهمنا للدين هو الذي تغير. الدين ليس عدواً للتقدم ولا العلم ولا التنمية ولا عمران الأرض  ولكن الدين عدو للذين يسعون في الأرض الفساد، (والله لا يحب الفساد) والدين عدو للجهل والجاهلين (لا نبتغي الجاهلين). الذي سقط هو فهمنا للجمال مع أن الله قرر في القرآن أن الجمال نعمة فيما خلق (ولكم فيها جمال)  والذين سقطوا هم من يظنون أن انتماءهم للتدين وللدين يمنحهم الحاكمية والتسلط على غيرهم وممارسة هذا الانتماء كيفما يشاءون وأنه يمنحهم صكوك الغفران ويجعلهم شعب الله المختار. اليهود لعنوا لأنهم نقضوا ميثاقهم مع الله، وسنة الله تمضي على كل من ينقض الميثاق.