رواية عمر فضل الله الفائزة بجائزة الطيب صالح العالمية
لم يكن مفاجئاً لي فوز الدكتور عمر أحمد فضل الله بجائزة الطيب صالح للإبداع الكتابي التي أقيمت فعالياتها النهائية الليلة الماضية (الخميس 15 فبراير). وكنت غردت قبل وقت قصير في (تويتر) بأن الدهشة سوف تصيبني إن لم يفز (…)!
وكان تعليق الدكتور عمر بعد فوزه: “ما بين الأقواس في التغريدة هو عمر أحمد فضل الله بكل تأكيد. شكراً على حسن ظنك في أخيك بأنه لا يمكن إلا أن يفوز، والحمد لله أنني لم أخيب ظنك، فلله الحمد والشكر. طبعاً كنت زاهداً في المشاركة ودخول المسابقات، لكنه شجعني وحفزني وقال لي: توجد لجنة نزيهة للتحكيم فيما يعلم، فحفزني ذلك على الاشتراك”.
انتبهت لأعمال عمر فضل الله منذ روايته الأولى (ترجمان الملك)، وقد شرَّفني بعرض مخطوطات رواياته قبل النشر، في نهج يسير عليه كبار المؤلفين حين يتخذون لأنفسهم ما يعرف بالـ (ساوندينق بورد)، ولعل ذلك مأخوذ عن مؤلفي الموسيقى كما يوحي الاسم!
كنت قلت للأخ عمر بعد قراءتي رواية التشريقة: إنني أعجب كيف استقامت لك اللهجة المغربية، فهل عشت مع المغاربة حتى تتقنها إلى هذه الدرجة؟
وقال الروائي الجزائري المعروف واسيني الأعرج: رواية تشريقة المغربي لابد أن يكون كاتبها مولوداً في المغرب وليس سودانياً لما تضمنته من فهم الثقافة المغاربية ومصطلحاتها.
والحق إن الدكتور عمر يجتهد كثيراً جداً في أن يعيش جو الرواية، فينقب في بيئتها أيما تنقيب. والرواية المعرفية كما سماها الناقد القدير هيثم الطيب، لا تكون إلا نقلاً أميناً لوقائع التاريخ مع شيءٍ من الغموض الفني الذي يعطي النص الروائي حلاوته وطلاوته.
عندما تذكُرُ رواية تشريقة المغربي شخصية مثل الشيخ إدريس ود الأرباب، تمنحه ما قد أعرض عنه رواة التاريخ ربما عمداً…
إن السلطنة الزرقاء التي حكمت السودان قرون عديدة، نشأت نواتها على يدي هذا الرجل الذي عرض عليه الحكام نصف (دار العسل والبصل) ليصبح حاكماً عليها، غير أنه اعترض على ذلك بحسم، وآثر أن يعتصم بمهمته الروحية والدينية. فهو الذي جمع عمارة دنقس قائد الفونج وعبد الله جماع قائد عرب القواسمة في عام 1529م. وفي ذلك عبرة تاريخية مهمة أن هذه البلاد لا يستقر الحكم فيها إلا عن طريق كتلة تاريخية تؤلفها القوى السياسية الحية، وتقوم على هذا التلازم الضروري بين الدين والسياسة بشرط أن يصبح الدين عامل مزج وتوحيد لهذه القوى السياسية لا عامل تفتيت وتشتيت.
كانت سنار هي التعويض التاريخي لدولة الأندلس، فبعد انتهاء دولة الإسلام في المغرب الأقصى، سرعان ما قامت للإسلام دولة في هذه المنطقة، جذبت إليها العلماء والمثقفين للعيش في أكنافها.
إنك لكي تمتع نفسك بقراءة هذه الرواية، عليك بقراءة رواية (أنفاس صُلَيحة)، فهذه امتداد لتلك. وأبطالهما أفراد أسرة فرَّت من الأندلس وأقامت بالمغرب حيناً من الدهر قبل أن تتوجه تلقاء سنار.
وهذه الأعمال جميعاً تستحق دراسات نقدية جادة، فنلفت إليها أنظار أقسام اللغة العربية في الجامعات، والصفحات الثقافية في الصحف، وكذا البرامج التلفزيونية.
بل كنت اقترحت من قبل على منتجي الأفلام الروائية السينمائية أن يهتموا بهذه الروايات التاريخية، فهي تصلح أن تكون مادة لإنتاجهم.
يظن البعض أن الاستراتيجية والحزبية السياسية فقدتا سياسياً مرموقاً حين ابتعد عن ميادينها الدكتور عمر فضل الله. وفي ذلك كسب وأي كسب للساحة الأدبية والفكرية، فهذا مكانه اللائق به وبأمثاله. وصدق شيخنا عبد الله الطيب حين قال في قصيدته حظ الأديب:
وميدان السياسة ليس فيه *** نقيرٌ للأديب ولا فتيلُ…
اضف تعليقا