عالم عمر فضل الله السردي! في عالم السرد العربي بله العالمي أفلام تشق طريقها قاهرة الشللية والادلجة وهي إذ تفعل تفرض وجودها بقوة في غير صخب إلا أن يكون الإبداع حاديها. ومن هؤلاء الذين ياسرونك سردا فنيا الكاتب العربي د.عمر فضل الله، انت هنا امام سارد يعي حركية التاريخ وتكمن براعته في الكتابة عن عالم لانمتلك معرفته أو فك شيفرته، إذا كان الطيب صالح قد قدم السودان في غضارته وحلو امكنته وقد تناولت شخصيات الطيب صالح في مقالة سالفة فان عمر فضل الله يتحرك بأدوات السارد الذي يمتلك مفاتيح التاريخ، فكانت الرواية المعرفية مجاله البكر الذي لايزعم زاعم انه قدمها عن السودان خلا عمر، يأتي الى الحدث التاريخي وقد يغفله الكثيرون ربما لعدم مقدرتهم على النفاذ الى كنهه، ومن هذا الخيط يصنع لنا نسجا لحمته السرد وسداه التاريخ. لايدعي وصاية على القاريء ولايمارس تنظير المؤدلجين بل ينساب حكيه كما النيل أحيانا في صخب الفيضان عنفوانا وشدة غير أنه لا يدعك في لجة او حلكة ليل شتوي. ومما نعانيه من ادواء في ثقافتنا العربية ذلك القيد من سلطة تفرض وصايتها فيأتي الادب باهتا يخلو من ماء الحياة. في رؤيا عائشة وتلك روايته الرائعة استطاع أن يقدم لنا أحداث الثورة المهدية عارضا شخصياته في معرفة بالحدث وملابساته، المهدي لم يكن ذلك المهووس بالزعامة بقدر ما كان محبا للعدل مقاوما للاستعمار وأدواته، شخصية ظلمها المؤرخون كثيرا وما فعلته آلة الدعابة الإستعمارية في وأد حلم السودان سرده عمر فضل الله في براعة التماهي بين السارد والراوي، يستلهم أنموذج عائشة أم المؤمنين ليجعل منها معادلا موضوعيا لعائشة المهدي أو يستلهم فؤادة في شيء من الخوف كلتاهما نفر من الحبيب حين تحول من عالم البراءة حين ولغ في الدم، ثم هذا التعايشي كما صوره عمر فضل الله ماكرا يستغل المهدي لمارب أخرى من بسط النفوذ وتفرده بخلافته، ثمة حكي دون أن يمارس وصاية الراوي العليم. أنت هنا أيها القاريء امام بناء يكتمل كلما مضت بك الصفحات والفصول، عائشة تؤثر الصحراء وعالم الأولياء وتتخلى عن قبر أم المهدي دعاء بل توشك أن تنزع حجابه التميمة وقد كانت من مجاذيبه. يظهر في سرده استنهاض للقاريء ولايدعه حيران في ثنايا النص، فلديه مشروع روائي كبير ان يقدم السودان الكبير إلى العالم، مصححا بعض ماورد عنه، تستطيع إن تقارب به عالم الطيب صالح في روائعه لكنه غير منحاز لشخصياته انحياز الاول في بندر شاه الذي امتلك عليه سرده. أما كاتبنا فانت لاتستطيع أن تحصره في اي من شخصياته وتلك براعة السارد حين يكتب، ان يتخلص من قيد شخصياته، وهذا ما يعيب الرؤية المعرفية في تناول العمل الإبداعي. لم يقل لنا إنه من كتاب الواقعية السحرية شأن جابرييل جارثيا ماركيز ولا نجيب محفوظ في ثلاثيته حتى تؤطره في هذا المنحى. ثمة قول إن ساردنا لا يعطينا معلومات وحقائق بقدر ما يستفز عقولنا أن نتابعه تشويقا وشغفا بمعجمه اللغوي الذي ينم عن ثقافة رصينه وامتلاك لمادة تعجز غيره أن يقدمها، وهل الكتابة إلا ذخيرة لغوية يحسن المبدع توظيفها؟! نعاني من أسر نماذج نقدمها لطلابنا فتأتي لغتهم ضيقة الأفق، ماذا عليهم لو قرروا عملا ك رؤيا عائشة لطلاب الثانوية او ما يقاربها من اعمال تستلهم التاريخ ونقرأ الواقع المثقل بوعي وفهم؟!
اضف تعليقا