عبدالله الشيخ محمد البشير (شيخ شعراء السودان).
ولد عام 1928 في قرية أم درق بالولاية الشمالية بالسودان .
حفظ القرآن الكريم والتحق بالمعهد العلمي بأم درمان, ثم حصل على العالمية من كلية اللغة العربية بالأزهر الشريف, ودبلوم التربية من جامعة عين شمس.
اشتغل معلما للغة العربية والتربية الإسلامية بالمدارس الثانوية بالسودان وباحثا بالمجلس القومي للآداب والفنون (بالانتداب), وأحيل للمعاش عام 1990 .
رئيس جماعة الأدب السوداني, واتحاد الأدباء السوداني 1977-1982, ورابطة معلمي التربية الإسلامية واللغة العربية, ولجنة النصوص بالإذاعة السودانية.
نشربعض شعره في المجلات والصحف العربية.
شارك في مؤتمر التربية الإسلامية بمكة المكرمة 1982, ومهرجان الحداثة بالقاهرة 83-1984.
مؤلفاته: منها: دراسات في شعر التيجاني يوسف – التربية في الخلوة والمسجد – معلمو اللغة العربية اجتماعيا.
نال وسام الآداب من جامعة الخرطوم, والوسام الذهبي من الدولة للعلوم والآداب والفنون.
مختارات من قصائده:
أبطال بلا زاد
عبد الله الشيخ البشير
الليل كان في الهزيع الثاني
لا شيء يستبين للعيان
إلا أضاميم من الفرسان
خروا وهم باكون للأذقان
وكل شيء ذاب في الألوان
إلا محاريب من الجمان
تشع في مروجها الحسان
على أديم أزرق ريان
وخيم السكون في المكان
لا حس من نجوى ولا ألحان
إلا رفيف الريح في الأغصان
لا صوت ينساب إلى الآذان
إلا ابتهالات من الجنان
نضحن صمت الليل بالقرآن
***
وهبت النوافح القدسية
شرقية الأنفاس عنبرية
فلو أصاخت أذن ذكية
لصافحتها النسمة الفجرية
بهمسة مرموزة خفية
بعيدة أصداؤها كونية
صريحة لكنها مكنية
تنزلت من حجبها العلوية
عليهمو في حضرة قدسية
على جناحى خفقة روحية
مصونة تحاط بالكتمان
وحولها أفق من الدخان
***
واغرورقت في الشرق عين ماء
رشت بهاء الليل بالأنداء
ولامست بالعطر والأضواء
جبين حر شامخ وضاء
مهييء للسلم والهيجاء
همومه رسالة السماء
ونشر دين الله في الأرجاء
والسير في المحجة البيضاء
والعدل بالقسطاس للضعفاء
وحوله حشد من الأنضاء
من شاحذ للحربة السمراء
وقاريء يحبو على الأجزاء
وهائم في عالم الدعاء
وقد تلاقى فوقه النجمان
وماج شط الغيب بالأمان
***
وانسلت البقعة من نعاس
على صباح ثائر الأنفاس
ورزت العرضة بالنحاس
وكل شيء ماج بالحماس
فلا ترى إلا جموع الناس
ماضين تواقين “للدواس”
كأنما زلوا عن الأقواس
يسابقون الريح بالأفراس
ويشعلون الشمس بالأكباس
ولبست مدينة ام درمان
بهاءها في ذلك الزمان
***
واكتظت العرضة بالحشود
وكان ذاك اليوم يوم عيد
معطر الأردان بالبارود
ومشرقاً كجبهة الجنود
وصفت الخيل على صعيد
قد هاجها تضرم القصيد
فجاذبت تصل بالحديد
مجنحات بالقنا الممدود
تود لو طارت إلى بعيد
منقضة في قسطل مزرود
أصيلة حنت إلى الطعان
واعتادها تلاحم الشجعان
***
ونصت الرايات عاليات
رفافة وريحها موات
منضورة الألوان حاليات
منقوشة بمحكم الآيات
تتيه بالصمود والثبات
بهمة الزراع والرعاة
وحافظي القرآن والتقاة
وتزرع الأحلام في الموات
وترسل البشرى إلى الجهات
رفعن مذ رفعن خافقات
أيام كان الناس في سبات
يهيئون الدرب للغزاة
يطأطئون الرأس للطغاة
رفعن من أيد مجربات
ما شوهدت قط منكسات
ولا على الأعقاب ناكسات
بنات نول حاك للفتيان
مدارع الدمور في شيكان
***
وصاح صوت للجهاد عال
أجابه رجع من الجبال
وارتد للضفاف والشلال
وامتد في الأيام والليالي
وأنصت التاريخ في إجلال
ودار حول العرض كالرئبال
أبو محمد سنا الأبطال
سيف الإمام خائض الأهوال
والمقتدى بنهجه المثالي
أعماله في لوحة الأعمال
يلصفن في الحروف كاللالي
انظر إليه وهو في المجال
يختال فوق أحمر مختال
معلماً بالريش والنبال
وحاملاً أمانة الأجيال
وحوله غاب من العوالي
يرمي بناظريه للشمال
كأن عينيه عقيقتان
وان زنديه كتيبتان
***
قد كان في شيكان عن يقين
دعامة في نصرنا المبين
باهي الشلوخ ناصع الجبين
يعتز في تواضع رصين
وكان أقنى شامخ العرنين
وأخضراً ذا معدن ثمين
وكان مشغوف الهوى بالدين
ومولعاً بالسيف والمتون
من راه إذ هب إلى الكمين
في وجه جبار القوى متين
فرده مجزع الوتين
وبثت الغابة للرعيان
ملاحناً من قوسه المريان
***
وخاطب الجمع بما يطاع
وقال حين *** اليفاع
المهتدي بالله لا يضاع
والحق لا يشرى ولا يباع
ولفهم بين السراب القاع
في صائف يحمومه لذاع
وهم رعاة وهم زراع
ونسوة وإلدة أيفاع
مهاجرون مالهم رجاع
وزاهدون مالهم أطماع
مضوا فلا زاد ولا متاع
تكبيرهم تهليلهم ايقاع
مقدس تشتاقه الأسماع
وضجت الجبال والبقاع
ألا تمهل أيها الشعشاع
من أين عذب الماء للظمآن
وأين أين القوت للجوعان
***
ولم يصخ ونص لا يميل
ندب على أيدي الثرى مجبول
في لاحب تيهوره طويل
وقفره بجنه مأهول
يحار من خذاعه الدليل
ولم يصخ ونص لا يميل
في منكرات ضوؤها كليل
في مثل ما يلغي عليها الغول
يحفه من جيشه التهليل
فما انثنى حتى نهاه النيل
وقابلته الناس بالحرسان
وساجعته الطير بالأغصان
***
جازوا خضماً ما به من ماء
ولا به نبض من الأحياء
وجملتهم لفحة الرمضاء
ووسمتهم حكمة الصحراء
وخيموا بالعدوة الجرداء
للنيل حول الراية الخضراء
والنيل فيما قد حكاه الراء
ينساب فوق لجة حمراء
وهم على مرأى من الأعداء
وهم على مرمى من الرماء
فنفروا النوم عن الأجفان
وجردوا الأسياف ملأ جفان
***
وليلة فجرية المذاق
بدنقلا سمارها السواقي
نيلية مخضرة الأوراق
مدتهم بجدول رقراق
وقد تغنى طائر الدلاق
ضمتهمو حباً على إملاق
على حشايا رملها البراق
فرنق النعاس في الآماق
وعادهم طيف من الأشواق
لكنهم باتوا على إشفاق
فمنهم من شمروا عن ساق
يتلون آي الله في اشتياق
ويسرجون الليل بالأحداق
يحصون ما يجري على الآفاق
وما يكن الشر في الأنفاق
وما وراء التل من طراق
والبدر كان باهر الإشراق
يوامض النهر فيبرقان
كجبهة المظفر النشوان
***
وقادهم مشاطئاً للنيل
وكم بشط النيل من جميل
جزائر تعج بالهديل
والزرع والأنعام والشتول
وظل سنط حالم مسدول
يدعو المجاهيد إلى المقيل
وصوت مزمار من الترتيل
عن معبد بادي السنى مأهول
وذكريات من هوى أصيل
ترف أحلاماً على النخيل
وزارع بحقله مشغول
مشمر الساقين للمحصول
وحرة تحنو على البقول
وزورق لعابر عجول
ودافق في جدول مجدول
ينداح أسراراً على الحقول
لكن أعداء بني الإنسان
بثوا شراك الموت في الشطآن
***
تحرفوا عنه وهم جنوح
إلى عراص أرضعها سفوح
تصون أسراراً وتستبيح
وهب من هنَّا وهنّا الريح
فاغبرت الآفاق وهي فيح
وقد تلظى واكفهر اللوح
واحمر من لذع السموم الكيح
ولاح ذاك السملق القبيح
والوحش في أحشائه يصيح
وطولبوا بالذل والإذعان
وغصت الحلوق بالأحزان
***
لله محصورون في فناء
لا مشرع يفضي بهم للماء
وظلهم سقف من الهواء
وفرشهم جمر من الحصباء
والقوت لا قوت سوى النواء
غزتهمو جحافل الوباء
فقامت القبور في العراء
وزاحت الضباع في الأرجاء
وأمسك الطير عن الغناء
إلا محلئيين كالشنان
يفرون ناب الضر بالإيمان
***
فما استجابوا للحصار المحكم
ولا استكانوا للهيب المضرم
وساندتهم عزمة المصمم
وعزة موروثة لم تحطم
ووثبة معروفة لم تهزم
تلاوحوا للمدفع المدمدم
يرفض ناراً من يدى غشمشم
حتى إذا احمر النهار بالدم
صال الجياع في اللظى المضرم
من كل ندب بالتقي موسم
يدعون بالجلى تعالي سلمي
فمن رآهم في لظى الميدان
فقد رأى ما لم تر العينان
***
وقال راوي أوثق الأخبار
من عاش في جحيمها في دار
قد كان ما لم يجر في الأفكار
ولا روته الناس في الأخبار
ولا حوته الكتب في أسطار
قد جمعوا قذائف الدمار
واستخلصوا منها على الأخطار
ما مد أسلحتهم بالنار
فهاجموا في رائع النهار
وباغتوا الأعداء كالإعصار
ودمروا معاقل الحصار
وأسرعوا للنهر في انحدار
وفوقهم سقف من الغبار
وحولهم حلل من الأدار
وجالدوا بوارج البخار
بمنطق البارود والبتار
وخوضوا في مائه الذخار
وأشرعوا السقاء في التيار
واستخلصوا الماء من الشرار
ورشحوا النيل بأرجوان
وشيعوا القتلى بمهرجان
***
وأقبلوا غراً من الصدام
أيديهم في راية الإسلام
ملأى رواياهم بماء طام
لها نشيد مزبد الأنغام
فأبصروا زيقاً من الحمام
ينغل في حدائق الغمام
فاستبشروا بمقبل الأيام
وهم بلا رسم ولا أرقام
ولا عناوين ولا وسام
شم الأنوف ثابتوا الأقدام
بالحب والإخلاص والإقدام
ماضون حول ثائر مقدام
قليل ما يقتاته صوام
مسهد بين الدجى قوام
قد قادهم للنصر وهو ظام
ما ذاق مذ يومين من طعام
مهابذ لله غير واني
وزاهد يعلو على الحرمان
***
فهل رأيت الرسل بالعشي
من غاصب ذي عزة عتي
جاءوا ليثنوهم عن المضي
جاءوا ومنوه بكل شيي
بالملك بالسلطان ذي الدوي
بكل مجد العالم الأرضي
وكل ما يغري الفتى بالغي
فعافها ذو المنهج المهدي
وند مثل الآبد الوحشي
وانحاز فوق منبر صخري
وصاح فيهم صيحة البركان
تجيش بالحديد والنيران
***
إنا مبايعون قد وفينا
وفي سبيل الله قد مضينا
والحكم لله إذا التقينا
لن تدركوا منا إذا قضينا
إلا الشهادات التي أدينا
والمشرفيات التي أمهينا
وجبة متروزة علينا
وحربة مركوزة لدينا
لهم لولا أنت ما اهتدينا
ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا
وثبت الأقدام إن لاقينا
وخذ نواصينا على الإيمان
وكل ما سواك شيء فان
***
وقالها في وجههم جهارا
فهزت الجبال والأنهارا
واعتامها طير العلا وطارا
وبثها في العالم افتخارا
يدور قرص الشمس حيث دارا
فأجفلوا عن حوضه حيارى
وجلجل التكبير واستطارا
وزغزدت للنخوة العذارى
وافتر ثغر البسل الغيارى
فأوقدوا فوق الجبال نارا
فأشرقت صخورها اخضرارا
ماذا يقول الشعر ذو البيان
وقد رأى التاريخ بالعيان
***
وقادهم مشاطئاً للنيل
وكم بشط النيل من جميل
أضفى عليه روعة التظليل
مشاعل النوار في الخميل
وقد كسته روعة الأصيل
نقوش تاريخ على صقيل
ومن بنات الورق والهديل
صدى ربابات من المجهول
مشدودة الأوتار في الفصول
تنداح أنغاماً على النخيل
لكن أعداء بني الإنسان
بثوا شراك الموت في الشطآن
***
وفي صباح أشأم الجناح
ألقى على توشكي رؤى الجراح
فاصطفت الجياع كالأشباح
على أديم مقفر قرواح
وبادروا بالسيف والرماح
كأنها شعل من الأرواح
على خميس فاتك السلاح
فبعد ضرب منهمو ملحاح
وبعد صبر للأذى نضاح
تقاضت النار ذوي الرماح
واستشهدوا يزينهم رمزان
المجد لله وللأوطان
***
وكان أمراً ما له مرد
فأين مما ليس منه بد
فحدثته النفس مات الجند
لا خيل تقفوك إذا تشد
لا دارع يحميك إذ ترتد
وحومت تلك الصقور الربد
فما ترى غير الخضوع بعد
فأزت النار وضج الرعد
وأوشكت جباله تنهد
وكر فوق الأحمر الحصان
مكبراً وغاب في الدخان
***
جاءوا به في موكب الغروب
مضرجاً كالصارم الخضيب
يفوح من برديه نفح الطيب
ورف حولى نعشه المهيب
ملائك وافت من الغيوب
يا قاهر الخطوب بالخطوب
قد عشت في خواطر الشعوب
وفحت ريحاناً على الدروب
لكن تضيق الأرض بالأديب
وينثني يبكي على السهوب
ويشعل الضفاف بالنحيب
إن ضاقت الحياة بالعقبان
وراشت الجناح للغربان
***
وفي ظلام الطارق البهيم
تربع التاريخ في السديم
على منار حف بالتكريم
وحوله حدائق النجوم
ترف في مدارها النظيم
هناك قد خط على الرقيم
نصين من شهادة الخصوم
شهادة للقائد النجومي
ومثلها لجيشه العظيم
من قد أرادوا المجد للسودان
فواصلوا السعى إلى الجنان
***
من خافقي ومن سنا قصيدي
وخير ما كابدت من جهودي
ومن أياد أشرقت في جيدي
ومن معان عمقت وجودي
ومن أمان لحن من بعيد
ومضنيات حررت قيودي
تحية للباسل الشهيد
وصحبه الموفين للعهود
عليهمو سحائب الرضوان
عليهمو سحائب الرضوان
مجلة الخرطوم – العدد السادس – عدد مارس 1994 – صفحة 115 – 130
ملحمة المسيد
ويا لا عيادها اللواتي ٭٭ تفيّض بالذوق والحبور
وحبذا (الطار) إذ تداعى٭٭ صداه في مسمع الدهور
هفت له القرية ابتهاجاً٭٭ فالطفل كالواهن الكبير
وهملج المادح الموشي ٭٭ بمسرح غص بالحضور
يروقهم عاشقا. فيبكي ٭٭ القلوب بالمدمع الغزير
ويرتقي صاعدا، فيلقي٭٭ بهم نثارا على الأثير
وهاجهم (طاره) فأذكى ٭٭ لهم هوى راقص مثير
فزاف مثل الحمام هونا ٭٭ وصال كالاجدل المغير
معلم الشعب جل قدرا٭٭ مهيئ الفن للفقير
سرى بهم فوق ناجيات٭٭ مفزعات الحجاج صور
تفرقوا بالقفار شعثا٭٭ وجاوزوا البحر ذا الهدير
وخيموا في منى، ونالوا٭٭ منى، وعاجوا على البشير
وحول هاتيك عامرات٭٭ بالشوق والطهر والبدور
سفائن المنشدين طافت٭٭ بهم على مائج عطير
وأقلعت تكشف الحنايا٭٭ وتزرع الحب في الصدور
وأقبلوا نحو ذي جلال ٭٭ مناط آمالهم وقور
وأنصتوا إذ رأوا فتاهم٭٭ مهندا لاح من جفير
يختال ما بينهم بلوح ٭٭ مشرف ساطع السطور
تحف أقطاره نقوش ٭٭ فمن خفي إلى جهير
عليه سحر (العمار) جلي ٭٭ زخارف الصمغ والمغور
وموكب الزهر فيه لاقى ٭٭ مواكب الفن حول نور
ترى تواشيعه فراشاًً ٭٭ يرق فجرا على الغدير
وراح يشدو بمحكمات ٭٭ لدي بعيد المدى بصير
فمد مدّاته طويلا٭٭ وجاد في الموقف القصير
وراض قافاته يسيرا٭٭ و(غن) كالشادن البهير
ولم يعاظل ولم ينازع٭٭ مسالك المخرج العسير
مضى جميل القران سهلا٭٭ أداؤه غير ما عسير
فحيت الامهات (عرضا)٭٭ أقيم في المشهد الأخير
في تحرير الكرمك
أرِني الحُشودَ الزاحِفاتِ عَشِيَّةً المُطبِقاتِ على العَدُوِّ صَباحا
زَحَمَتْ مناكِبُها الجبالَ، وأثقَلتْ أرضاً ومدَّت في الفضاءِ جناحا
صاحت قُراها، فاقشَعَرَّتْ، وانبرى عِرقٌ إذا دَعَتِ الكَرامةُ صاحا
أحفادُ أجدادٍ إذا سَقِمَ الحِمَى سَلُّوا سيوفاً في العجاجِ صِحاحا
خَرَجُوا إليها مُحرَجينَ بِذِمَّةٍ حثَّتْهُمُ أنْ يبذُلوا الأرواحا
أنْكَرْتُهُم، بالأمسِ كانُوا أوجُهاً حُسنَى، فراعَتْني الوجُوهُ قِباحا
يا حَسْرَتاهُ، فلا جوادي بينَهُمْ يعدُو، ولا كانَ الخُروجُ مُتاحا
الكُرْمُكُ العَصماءُ، وهيَ سَبِيَّةٌ صاحَتْ بِنا، لو تسمَعُونَ صياحا
رِيعَتْ بليلٍ حيثُ أصلاها العِدا ناراً، وطافُوا حولَها أشباحا
ماتتْ قياثِرُها على أوتارِها وتَحوَّلَ اللَّحْنُ الرَّخيمُ بُحاحا
فارتاعَ شاديها الموَشَّحُ بالمُنى وارتَدَّ ناديها العزيزُ مُباحا
وتثاقَلَتْ فيها الحُقُولُ فلمْ تَعُد ترْفَضُّ في ألَقِ الصَّباحِ نُفاحا
باتتْ أخيذةَ غادِرٍ لا ينتشي إلاّ إذا اجتَرَعَ الخِيانةَ راحا
بالأمسِ كانتْ ها هُنا محميَّةً في الدارِ تخطُرُ عِزَّةً ومراحا
أضحَتْ بعيداً، نستَقي أخبارَها مِمَّنْ يرى مأساتَها إنجاحا
في ليلةٍ كَفَرَ الظلامُ نُجومَها إلاّ شُواظاً فوقَها مُنْداحا
حاقَتْ بها الأعداءُ، ملءُ صُدُورِهِم حِقدُ الورى فتفجَّرُوا أتراحا
سَلَبُوا المباهِجَ والملاعِبَ وانتَحَوا فِعْلَ الأخَسِّ فأحرقوا الألواحا
أنْحَوا على أبنائها فتشَتَّتُوا حِزَقاً تُعاني وحشةً ورياحا
وهْماً تلُوحُ لهُم مساكِنُهُم، وهُم يتَخَرَّقُونَ تَنُوفةً قِرواحا
لا ظِلَّ فيها، لا جِدارَ ولا صُوىً تهدي، وليسَ معينُها نضَّاحا
لا أين! لاذُوا بالهلاكِ وطِفْلُهُم يجري، ويكبو باكياً مُلتاحا
ظَنَّ الدُّخانَ سحائباً مركومةً والقصفَ رعداً بارِقاً لمَّاحا
ثُمَّ ارعَوى، فرأى النُّجُومَ أسِنَّةً ورأى بكُلِّ ثَنِيَّةٍ رَمَّاحا
يرجُو صلاحَ الحالِ مِن أُمٍّ غَدَتْ لا تستَطيعُ لحالِها إصلاحا
فَقَدَت مواقِدَ نارِها وطَحينَها مِن أينَ تُعطي جائعاً مِلحاحا
يا قومُ قد جَدَّتْ بنا أعداؤنا فاستبسِلُوا، فالأمرُ ليسَ مِزاحا
قدْ كانَ بالأمسِ البعيدِ مُقَنَّعاً فبدا وقد حَسَرَ القِناعَ وقاحا
فَلَقدْ طُلِبنا، قالتِ الآناءُ لي لا فوتَ حتّى تستَميتَ كِفاحا
منْ كُلِّ ناحيةٍ نُعاني طعنةً نجلاءَ، تَنْزِفُ هِجرةً ونُواحا
لحْنَ التَّغَنِّي بالسلامِ مُحَبَّبٌ لكنَّهُ لا يُطرِبُ السَّفَّاحا
إنَّا لفي عصرٍ قَضَتْ أحكامُهُ ألاّ يبيتَ المُتَّقي مُرتاحا
فَدَعُوا التطاحُنَ بالكلامِ وطاعِنُوا عنها، وضُمُّوا صفَّنا المُنصاحا
فيحي فياحِ، فليسَ مورِدُنا غداً سهلاً، وليسَ الماءُ فيهِ قراحا
فلنا بعونِ الله، عزَّ بقاؤهُ جيشٌ يصِلُّ عقيدةً وسلاحا
حُمسٌ، إذا الداعي أهابَ تَناهَضُوا كالموجِ قصفاً والرياحِ جِماحا
جُندٌ تَحَدَّرَ من معارِكَ رَوَّجَتْ بينَ الشعوبِ الكَرَّ والإفصاحا
أبناءُ ثوراتٍ غَدَتْ أُسطُورةً عُظْمَى فأعيا فَسْرُها الشُّرَّاحا
وهُمُ السَّلامُ لمَن أرادَ سلامةً وهُمُ الصُّخُورُ لمنْ أرادَ نِطاحا
وهُمُ الرِّجالُ إذا البِلادُ تَوَشَّحَتْ بسوادِها لبِسوا الحديدَ وِشاحا
ولنا الحكاياتُ التي قالتْ لنا السيفُ أردَى المِدْفَعَ المُجتاحا
إنْ كانَ قدْ نَسِيَ العدُوُّ نِزالَنا أيَّامَ جَلَّلْنا قَفاهُ جِراحا
فَلَكَمْ رَدَدْنا غازياً من بعدِهِ ولَكَمْ أزَحنا طاغياً فانزاحا
وتَحُثُّنا أخلاقُنا ويحُضُّنا دينٌ يرى خوض الجهادِ صلاحا
لا عَيبَ إلاَّ أنَّنا من أُمَّةٍ تُذْكي الشهادةُ بينها الأفراحا
فيحي فياحِ،فما نُبالي بالرَّدى عِندَ الكرامةِ، إنْ غَدا أو راحا
قُلْ للفتاةِ الكُرمُكِيَّةِ في غَدٍ قَسَماً تَهِشُّ لكِ الدِّيارُ فِساحا
ولَقَدْ تَحُجُّ لكِ المدائنُ والقُرى زَفَّاً، وتَنْثُرُ عِطْرَها الفوَّاحا
ومُوكَّلاتٍ بالجمالِ يجئنَ في مثلِ الطُّيورِ فيصطخِبْنَ صداحا
ولقدْ تَحُوكُ لكِ السَّحائبُ حُلَّةً من نسجِهِنَّ الزَّنْبَقَ النَّفَّاحا
وغداً تَبُثُّ لكِ المزاميرُ الألهيَّاتُ مِن صوتِ الأذانِ فلاحا
وغداً يرى السودانُ في آفاقِه فجراً من الشَّفَقِ المُضَرَّجِ لاحا
بايدينا نبنيك يا بلدنا اقسمنا لازم نبنيك
صممنا و حبك يسندنا بارواحنا و المال نفديك
وطن اجدادنا يا بلدنا
مثوى اولادنا يا بلدنا
فيك امجادنا يا بلدنا
نفخر بيك صممنا لازم نبنيك بايدينا لازم نبنيك
بايدينا بايدينا بايدينا
في اعماقنا حبك متجون في حبك وحدنا الغاية
شمرنا و الله يهون هاماتنا تعلوها الراية
ايد في ايد يا بلدنا
نرمي بعيد يا بلدنا
يصبح عيد يا بلدنا
يوم نرضيك صممنا لازم نبنيك يا بلدنا لازم نبنيك بايدينا
بايدينا نبنيك معاهد و مدارس تبني الاخلاق
و نعلم فيها و نجاهد مشعلنا يضوي الافاق
نرفع قدرك يا بلدنا
نشرح صدرك يا بلدنا
يشرق فجرك يا بلدنا
في بواديك صممنا لازم نبنيك بايدينا لازم نبنيك يا ايدينا
في حقولنا يعمل محراثنا نستبدل عتموريك جنه
بعرقنا نستخدم فاسنا خيراتك تكثر تنهنا
نروي غفارك
تنمو ازهارك
تشدو اطيارك
في واديك صممنا لازم نبنيك بايدينا
بجموعنا المتحدة الواعية ارجائك نبنيها صناعة
بجهودنا الموصولة الساعية الدنيا نملاها بضاعة
نصبح امة يا بلدنا
باعلى القمة يا بلدنا
نهتف بيك صممنا لازم نبنيك بايدينا لازم نبنيك يا ايدينا
لمجدك صمدت ابطالنا في كرري ضد الغازين
من اجلك نلنا استقلالنا يحدونا الاخلاص و الدين
بالوطنية يا بلدنا
و حسن النية يا بلدنا و الحرية يا بلدنا
نسعد فيك صممنا لازم نبنيك بايدينا لازم نبنيك يا ايدينا
فتية للعلم في الأحفاد يحدونا الأمل
للعلا للمجد للأخلاق نسعى لا نمل
للإخاء الحرنسعى للتفاني في العمل
شعل كالشهب نمضي في إحتقار للكسل
نشهد الدنيا بأنا مخلصون
في سبيل العلم و التحصيل نسعى ما حيينا
نحمل المشعل وضاءاً و نمضي طامحينا
إن نهضنا نطلب المجد نهضنا قادرينا
نبتغي في نهضة السودان بنياناً حصينا
لا نخابي…لا نداجي… لا نلين
نحن فتيات بذلنا للثقافة مبتغاها
فهي تنمو في حمانا حيث ننمو في حماها
ليس في أعماقنا شئ يرجى ما عداها
نطلب الغايات وثابين لا نحني الجباها
كلنا عزم و إخلاص و دين
نحن في ألعابنا حزم و عزم و مضاء
و اتحاد و نشاط لا يجارى و وفاء
إن غلبنا أو غيلبنا نجعل الكل سواء
نحن للأحفاد أخلصنا و جددنا الولاء
فلتعش ذخراً على مر السنين
أباطيـــل أباطيــــل ** ذه الدنيــا أباطيــل
وأوهـــام مضللـــة ** وأحـــلام أحابيــل
يفـارقها شـديـد البأس ** والميــل المعـــازيل
لمن تبني قري أعشــاشها ** الطيـــر الأبابيـــل
كعهــدي حيـن تصخـب ** في متاهاتي الأعاصيــر
أجـيـل الفكـر في الدنيـا ** وتعينــي التفاسيـــر
أتاني بـعـض إخوانـي ** وهمهـم وهـو محسـور
حســـين ودع الدنيــا ** وقد ســارت به العـير
كأنـا خالــدون بهـــا ** نــراع بكـل من ماتـا
وإن المـوت خـلف المرء ** إن أضحــي وإن باتــا
يمـوت البـعض أحيـاء ** ويحيـا البعـض أمـوات
ونصــدر كلنـا يومــاً ** إلي الرحمــن أشتــات
حســين كان مشــغوفاً ** بحــب العـــلم والأدب
وكان يـري سـعــادتة ** لدي التحـديق في الكتـب
حســـين كـان ذا ذود ** عـن الإســلام والعـرب
وكان سليم ذات الصــدر ** يرمي الجــن بالشــهب
حســين بهجـة الإخوان ** أدي واجــب الوطــن
وكان يعــلم الأجيــال ** لـم يرقــد علي عطــن
وذاق مـرارة الحـرمان ** وإسـتعلي علي المحــن
وحــورب في ثقــافته ** فلم يجـزع ولـم يهــن
رقيـق معهـدي النهـج ** لم يجلــس علي رجــس
قليـل مطــالب الدنيـا ** قـوي شكيمــة النفــس
تلوح – وليس يظـهرها- ** عليه أصــالة الغــرس
أديـب عنـدما يغـــدو ** أديـب عنـدما يمـــسي
أودعنــا ولم نســمع ** قصـيدة آخــر العمــر
ولا في النـدوة إزدحمت ** عليــه مشـاغل الفكـر
ولا قلنا: كعهـدك قـد ** فضـضـت ضنـائن الشعـر
وداعاً سـاكن الفردوس ** فــوق أرائــك خضــر
من قصيدة: رحم الله العميد
أصْمَتْ فؤادي قوس الرزء إصماءَ
وأسمعتني من الأهوال أنباءَ
وبين هذين نفس ذات أجنحة
باتت تمزقها الأحزان أشلاء
أين العزاء, ولا طير الضفاف ضحيً
تشدو لحونا على الأشجار غنّاء
بلى! ولا موجة زرقاء تنضحني
ثلجا, فتبرد في جنبيَّ أحشاء
فرحت أسأل ما فحوى الحياة وما
جدوى سباق يحيل الناس أعداء
وأسأل الغيبَ.لِم يثوي بحافرة
مخاطر كان يرتاد الثرياء
فطاف بي الفكر في أسرار غامضة
تساقطت حولها الأفكار إعياء
ما للصحاب, وقد سارت ركابهم
لو خبروني فقد كنا أشِقَّاء
لقد قطعنا مجاهيل الشباب معا
أيام كنا نخوض النار والماء
أسَرَّهم أن يروني باكيا لهم
إن الشقي لمن يبكي الأخلاء
في كل يوم أراني فوق جارية
تستن في الدمع إقلاعا وإرساء
إن الممات الذي نخشى بوائقه
نلقاه عند افتقاد الصحب أحياء
نعيشه مضنيات في جوانحنا
تمتد في آهة تمتد حمراء
مضى العميد, فدور العلم صامتة
ترى لديها حروف الشعر خرساء
بيني وبين أبي بكر مؤانسة
كانت تطيب لنا بثّاً وإصغاء
وقد سعدنا بها دهرا نكتِّمها
عن الرقيب, ونبدي ثمَّ أشياء
أيام نستذكر الفصحى وحاضرها
فيما تعانيه إهماَلاَ وإزراء
وحين كنا وداعي المجد يلهبنا
نحصي الأماني إبداء وإخفاء
وكان شيء جديد في دواخلنا
يسري, فيمنعنا بالليل إغفاء
نسائل الوهم عنه عن حقيقته
ونسأل الليل عنه والغُمَيْصاء
وجدته أنت حيث الريح عاصفة
وحيثما يهدم الحساد بنَّاء
عرفت ما الداء ما سر الدواء له
وقد يزيل الأذى من يعرف الداء
فما ترددت في أمر خرجت له
في لامة من نسيج الصبر حصداء
ورحت تركض في ريحين بينهما
عصف التناقض إبطاء وإزجاء
وجئت في ليلة ليلاء محتملا
بدرا ترشّح في الآفاق لألاء
يا زارع الحرف ما بين الصخور زهت
حقولك الفيح أزهارا وأنداء
بنيت للعلم دورا في مكابدة
فيحاء ترفل في الإتقان حسناء
تلقى العصافير في بستانها مرحا
طلق الجناح وأثمارا وأفياء
أحطتها بالحفاظ المر فامتنعت
بعيدة الريد ما ترتاد عيطاء
وأنت عمَّرتها, والداء محتكم
هذا العمار الذي أعيا الأصحاء
هدية منك للسودان خالدة
من خير ما ورَّث الآباء أبناء
طلاب نهجك راعتني فجيعتهم
لما رأيتهم باكين أنضاء
ظنوا أمانيَّهم جفت ينابعها
وأصبحت واحةُ الآمال جدباء
ثم استفاقوا عزاء حين لُحت لهم
بين الفصول بشوش الوجه معطاء
وقد أحسوك تجري في دمائهمُ
عزما, وتوسع للأحلام أجواء
رأوك في المسجد المعمور منشرحا
تحدو قوافلهم جهرا وإيحاء
ويسمعونك تعطي النصح ذا كسل
عن المضي, وتطري ذاك إطراء
إن الحياة – أبا العباس – تعرفها
فأنت تعرف في القرآن ما جاء
ولدت حيث انشطار الضوء فاشتعلت
نوازع الخير في جنبيك شعواء
ذكرت أمسك أجدادا ذوي ألق
مرابطين ونساكا وقرَّاء
نصوا على القلم الأعلى رسالتهم
وأوقدوا النار في الأجيال رعناء
وهيأوا اللوح للأطفال, فانشرحوا
وهيأوا لليتامى الظل والماء
ووثقوا العهد بالقرآن, والتزموا
وعطروا الليل أسباعا وأجزاء
وجردوا السيف حين البأس واندفعوا
غُزّيً يريدون للإسلام إعلاء
وقد تراهم سجودا في مساجدهم
يذرون دمعا يحيل الأرض خضراء
منهم – أخي – ثار عرق فيك فاندفقت
فيك الشرايين إبداعا وإنشاء
البحث عن بيت شعر
علي حدِّ السنا أمهيتُ سيفي
فرقَّتْ شفرتاه كما ابتغيتُ
وودعتُ القرى الأولى وشيكاً
وما استصحبتُ إلا ما انتويتُ
فها أناذا يُعادي بي مِراحاً
بشطِّ الغيبِ مِرِّيحٌ كُمُيتُ
رصائعهُ مصابيحُ سهاري
لهنَّ خواطرُ الحُذَّاقِ زيتُ
فطاف بعبقرٍ ليلاً فهرَّتْ
كلابُ الجنِّ: عِرفيتُ وشيتُ
وطار فصاهلَ الشِعرَى فماجتْ
عرائشُ من بشائرها جنيتُ
ومجَّ لجامُهُ ألــقَ الثُّريــا
جُذىً مما تغوصُ له الكويتُ
وعاد السيفُ ينبوعاً فمالي
سوى قوسِ الغمامِ إذا ادّريتُ
وقد عرضتْ ليَ الأبراجُ شتَّى
عِـراضاتٍ ولكنّي أبيتُ
ونصَّتْ لي معارجَ من دخانٍ
مــنوَّهةً ولكني انتحيتُ
فلو كانت جناحاً من عقيقٍ
له لمعُ البوارقِ لارتقيتُ
وحِرتُ فدلَّني نجمٌ لموحٌ
علي مسرى قوافلِهِ سريتُ
ولاحت لي نوافذُ باهراتٍ
فجُزتُ من النوافذِ وامّحيتُ
وأوفي بي على زبدٍ موشىً
على فقَّاعِهِ طرباً مشيتُ
وناداني من المجهول صوتٌ:
بدأتَ وكنتُ أحسبُني انتهيتُ
وصيَّرني الحنينُ إليه معنىً
بلا مبنىً فغبتُ وما اختفيتُ
ومدّ الرَّغو قُدامي طريقاً
مموهةً ولكني قضيتُ
وصرَّح منهُ عن بحرٍ ذخورٍ
فلما راقني عجباً هويتُ
فودّعتُ الظنونَ ورافقتني
مآذنُ أثبتت ما قد نفيتُ
كأن خُوات أمّ الرعدِ فوقي
هماهِمُ ما استمعتُ وما ارتأيتُ
رأيتُ اللجَّةَ الزرقاءَ ناراً
من الياقوتِ فيما قد رأيتُ
فجاشت ثم فاضت ثم ساحت
جداولُ مايحتني فارتويتُ
ولم أعِ ما أفيضَ عليَّ منها
ولمّا لم أعِ الفحوي وعيتُ
وحسبي أنني جمَّعتُ منها
أصول فرائدٍ مما انتقيتُ
فنضدتُ الخفايا في سِلالي
ونشَّرتُ الشراع اللذ طويتُ
وعدتُ وليتني ما عدتُ دهري
وهل تأسو عليل الحظ ليتُ
ولما زاحمَ الآفاقَ مني
جناحا جبرائيل وما اهتديتُ
سمعتُ سهام آفِلُّونَ حولي
مُـزفْـزِفةً وآفِلُّونَ ميتُ
ومرَّت من أماميَ جيلبوتٌ
علي أكتافِها فذٌّ صُليتُ
هبطتُ وأجنُحي أدغالٌ نخلٍ
إذا غنَّتْ عصافرُها انتشيتُ
وحامت صادحاتُ النيل حولي
تغلِّفها المواسمُ فاحتفيتُ
وأعلم أنها جاءت عجالاً
تُقاضي رحلتي وأياً وأيت
فقالت لي نراكَ نضيرَ حقلٍ
ترِفُّ ندىً فقلتُ لها ارتويتُ
فحطتْ ثم طارت ثم قالت:
تُرى ما جدَّ؟ قلتُ لها :اقتنيتُ
وشيتُ لها وأعماقي صحاحٌ
بأسقامِ الصبابةِ إذ وشيتُ
فلما أمَّلتْ نقرَتْ رَبابي
فهازجَها من الأوتارِ بيتُ
جميل جدا