عفواً فقد نسيت أن أقدم نفسي مع أنه أمر صعب جداً، فقد تغيرت أسمائي كثيراً حتى أنني ما عدت أذكر منها إلا القليل. فقد اتخذت اسماً في كل دورة من دورات الزمان، وجسماً فيما لا أستطيع أن أعده من الأماكن والأحوال. كنت أصير كبيراً في الحجم مثل الجبل أحياناً، أو أتضاءل فأصير مثل نملة صغيرة. وكانت عندي قدرة عظيمة على الطيران، فقد كنت أسرع طيار في العوالم السبع، وكنت أستطيع الانتقال من أي مكان إلى مكان آخر، مهما كان بعيداً وذلك بمجرد النظر ناحيته.
ما هو اسمي الآن؟ سمني ما شئت فلا فرق عندي. فما عادت الأسماء شيئاً ذا بال، ولا أصبحت تدل على شخصيات أصحابها. فما هي إلا مجرد أسماء. وأنت لا تختار الاسم الذي ترغبه أو تحبه، وإنما يختارونه لك، ويظل يرافقك مدى الحياة. أين أنا الآن؟ معك بالطبع!! لا تصدقني؟ أنظر إلى الأعلى فوقك تماماً…. لماذا لم تنظر؟ أراك متردداً أو خائفاً. ما الذي سيحدث لو نظرت؟ لن تراني بالطبع فقد كنت معك طول عمرك وأنت لم ترني، ولم تكُ خائفاً مني فلماذا خفت الآن؟ وبالمناسبة فإن مسألة الرؤية وعدمها متعلقة بك أنت وحدك، فأنت تستطيع رؤيتي لو أردت في أي وقت. والأمر كله في عقلك ومتعلق بك وبإرادتك. نحن – أعني أنا وأنت – نصنع عوالمنا في عقولنا. ولكل إنسان عالمه الخاص. وكل واحد منها يختلف عن الآخر. وجميعها عوالم حقيقية، لأننا نعيشها بعقولنا ونتخيلها. وربما يكون الخيال عالماً آخر موازياً لعالم الحقيقة لدينا، يقترب من واقعنا أو يبتعد حسبما نرغب. تخيل معي وجود ملايين العوالم والأكوان الحقيقية والخيالية الموازية والمتداخلة في الوقت نفسه، وبمجرد تخيلها في ذهنك تصبح عالماً آخر حقيقياً موازياً لعالمك الواقعي، وتستطيع أن تعيش فيها قدر ما تشاء. العالم الواقعي ليس واحداً، بل هو عوالم كثيرة تفوق قدرتنا على العد والإحصاء. نحن نخجل أن نحكي للناس عنها ربما لأنها تدل على طفولتنا أكثر مما تدل على نضجنا، أو لأن الناس لا يحترمون من يجنح للخيال كثيراً، أو فقط لأن الآخرين لا يرونها ولكننا نراها بعقولنا، ونتمنى أن نبقى فيها أطول وقت ممكن، وفي الواقع هي أكثر اللحظات إمتاعاً في حياتنا، نهرب إليها من واقعنا المؤلم الذي صنعناه بأنفسنا.
مازلت تحس أنك خائف مني؟ هل مجرد ذكري مخيف لهذه الدرجة؟ وهل تصدق أنني أخاف منك أكثر مما تخاف مني وتخشاني؟ أنت في نعمة كبيرة فأنا خفي بالنسبة لك ولا أظهر لك ولا تراني إلا نادراً، ولكن أنت بالنسبة لي نقمة وعذاب، فأنت تظهر لي في جميع الأحوال وأراك في كل مكان، حتى لو حاولت أن أغمض عيني. تخيل هذا الرعب المستمر. أنت تخشى الأماكن المظلمة لأنك تظن أنني أسكنها وأنني سوف أظهر لك منها فجأة، بينما تجدني أموت رعباً من الأماكن المضيئة، فقد أرغمت على البقاء في الظلام أعواماً طويلة من عمري محبوساً، ومع الأيام أصبح الظلام هو عالمي، ولذا فأنا أخاف من النور مثلما تخاف أنت من الظلام. ولكنك نسيت أن دنياك معظمها ظلمة، فأنت تغمض عينيك الساعات الطوال كل يوم حين تنام، فالظلام رحمة أنت لا تدرك قيمتها. وعالمك مثل عالمنا، كله مظلم إلا من بصيص أضواء تنبعث حين تلجأ إلى الحقيقة السافرة، فتضيء جوانحك، وتنير روحك وعقلك، وتحرره من قيوده وأثقاله.
والآن هل تريد أن تراني أم ما زلت متردداً؟ انظر إلى الأعلى وأنا سأتجسد لك لتراني على حقيقتي. هذه فرصة لن تتكرر فلا تضيعها. ما زلت لا تريد أن تنظر؟ لن ألح عليك ولكن تأكد أنك حين ترغب في رؤيتي حقاً فسوف تراني. الأمر كله متعلق بإرادتك. قد أتحول أحياناً فأصير على قفاك وخلف ظهرك، ولكنني في معظم الأحيان أبقى فوق رأسك من الخلف وأنت لا تقدر أن ترى هامتك إلا إن نظرت في أكثر من مرآة. ولذا فأنا أحب هذا المكان، هامتك طبعاً. هل تعتقد أنني مشاكس؟ لم أعد كذلك فأنا في آخر عمري، وما عادت المشاكسة تمتعني، بعد أن كنت أقضي أجمل أوقاتي مشاكساً. أنا الآن أحب أن أتقرب منك حتى تقبل أن أحكي لك قصة حياتي، ففي ذلك سلوى لنفسي بكل تأكيد.
اضف تعليقا