عاد إلى الشقة متأخراً وهو يخبئها في الجيب الداخلي الذي طلب من الخياط أن يفصله له في موضع خاص فالناس لا ينظرون إلى هذه المواضع عادة. صعد الدرج إلى الطابق الخامس في ذلك المبنى القديم ذي النوافذ المنخفضة. دخل شقته وأوصد الباب بالمفتاح، ثم عاد ليتأكد من إغلاق الباب مرة أخرى. أكمل دورتين للمفتاح وتركه في القفل من الداخل.
– انتبه الصنف ده خطييييير..
مازال الحوار الذي دار بينه وبين صاحبه يتردد في أذنه. لكنه يعرف نفسه جيداً. جرب كل الأصناف لكنها لا تؤثر عليه فهو قوي كالثور.
– المرة دي ما زي المرات الفاتت يا فردة.. عموماً أنا حذرتك وانت المسئول.
– ياخ ما مشكلة انت عملت العليك..
– يازول أنا باتكلم جد..
– هات هات. جيب ياخ.. ما تضيع لينا زمنا ساكت بالكلام الكتير. خطير علىّ أنا؟ قال خطير قال..
خلع قميصه وبنطاله وبقي بتلك الملابس الداخلية المهترئة. تذكرها فأخرجها من الجيب الداخلي. بحث عن الولاعة وأخيراً وجدها داخل حذائه.. جلس على الأرض. وأشعلها. أخذ نفساً عميقاً. ثم آخر. ثم أطفأها راضياً.. سعل سعلتين قبل أن ينفث الدخان. وحين نفث بقوة هذه المرة أحس به يتسلل من عينيه إلى الخارج. الدخان خرج من جميع فتحات وجهه. خيل إليه أنه خرج من أذنيه أيضاً.. لابد أن هذا صنف جديد لكنه قوي. أعجبته الفكرة. ابتسم.. وامتدت يده إليها لتشعلها مرة أخرى لكنه جبن.. بقي متسمراً على الأرض وبقيت هي في يده. رأى وجه المرحومة أمه. كانت هناك. مستندة إلى جدار الغرفة. رآها تضحك ملء شدقيها. فزع لكنه تمالك نفسه ولوح لها بيده ليسلم عليها لكنها اختفت دون أن ترد السلام. انتبه إلى أنه ما زال يلوح بيده بعد أن اختفت صورة أمه.. نهض متثاقلاً وذهب إلى الحمام.. نظر في المرآة فرأى وجهه بالمقلوب. كان شعر رأسه للأسفل وذقنه في الأعلى بدلاً من شعر رأسه.. وعيناه أسفل خديه… أجفل وخرج من الحمام.. عاد مرة أخرى ونظر في المرآة ولكن بتردد وحذر هذه المرة.. رأى وجه امرأة يطالعه من المرآة. لم تكن هي أمه .. ابتسم فابتسمت. فتح فمه ففتحت فمها خرج وعاد مرة أخرى ونظر مكان المرآة . فلم يرها هذه المرة. ولم ير المرآة.. فرك عينيه فلم ير شيئاً. مجرد ضباب كثيف.. في عينيه يحجب الرؤية.
تحسس طريقه إلى سريره. لم يعرف إلى أين يتجه. رأى بصيصاً من النور فاتجه نحوه.. ارتطم بشيء يشبه حافة السرير لكنه عال جداً.. لماذا ارتفع السرير هكذا فجأة ياترى. رفع رجله ليصعد. فوصلت بعد جهد كبير. أمسك بتلك الحافة الخشبية. ورفع رجله الأخرى ليضعها على السرير. لكنها انزلقت في الهواء. لماذا أصبحت المسافة إلى المرتبة بعيدة هكذا فجأة.. رأى أنواراً تصعد إلى الأعلى.. والنوافذ تطير مرتفعة إلى السماء بسرعة كبيرة. ونظر فرأى النجوم والقمر. كان الليل هادئاً، والناس نيام.. ولم تكن هناك أي أصوات إلا صوت ارتطام شيء بالأرض شيء سقط من نافذة الطابق الخامس لذلك المبنى القديم على أرض الشارع .. ثم سكون.
صحيفة ألوان – أنفاس الكلام – الثلاثاء 21 ربيع الأول 1438 الموافق 20 ديسمبر 2016
اضف تعليقا