حوار الزين عثمان – صحيفة اليوم التالي – السبت 26 نوفمبر 2016
** عقب انتهاء ماراثون الحوار الوطني وبدء الحديث عن تشكيل حكومة جديدة حملته الأسافير إلى منصب رئيس الوزراء, عمر أحمد فضل اسم بدا وكأنه يأتي من خارج الصندوق السياسي المعروف فهو ينفي عن نفسه صفة الحزبية ويبدلها بصفة الانتماء لهذه الأرض. يقول الرجل الذي يشغل منصب مدير المشروعات في حكومة أبو ظبي الإلكترونية إنه علم باختياره رئيساً لوزراء حكومة السودان من تطبيقات هاتفه الذكي.. لا يرفض فضل شغل المنصب لكن وفقاً لشروطه هو.. يقول لا يمكن أن أكون رئيساً لوزراء يتم فرضهم عليّ فلا يمكن إنجاز إصلاح وتغيير باستخدام ذات أدوات الفشل القديمة. وبصرامة يجزم “سأقبل بالمنصب شريطة أن أختار أنا من يعمل معي”.
في حواره مع (اليوم التالي) بين ساحات معرض الشارقة للكتاب بدا ابن العليفون قانعاً من خير يأتي من قبل الحكومة أو تدفع به المعارضة للشعب، معتبراً أن الصراع الذي يدور الآن هو معارك في غير معترك كل ما تفعله أنها تزيد من الاحتقانات الموجودة حيث لا يبدو هناك حل يلوح في الأفق.. يصر عمر على أن العلاج ممكن فقط بإعادة تعريف السياسة كفعل هدفه الرئيس تحقيق تطلعات الناس وليس الجلوس على صدورهم.
ينزل عمر فضل من كرسي السياسي ليجلس في مقعد الراوي؛ يقول صاحب ترجمان الملك وصويحباتها إن الرواية عنده ليست إعادة لكتابة التاريخ وإنما هدفها الرئيس إزالة الغبار العالق بتاريخنا وكتابته كما هو والانتقال به لصناعة مستقبل في وطن صالح للحياة. يؤكد أيضاً على أن الحديث عن إنجاز مشروع الحكومة الإلكترونية في البلاد على درجة عالية من الصعوبة لكنه ليس مستحيلاً في حال نجحنا في إنجاز بنية تحتية سليمة.. لا يمكنك أن تقيم حكومة إلكترونية “عشان تقع” بمجرد إنقطاع التيار الكهربائي. أيضاً لا يمكنك أن تحلم بحكومة إلكترونية في وسط يحارب الشفافية.
الكتابة.. السياسة.. الأحلام والبلاد ذات التاريخ الضارب في الجذور.. هجرة المسلمين الأوائل إلى (سوبا) وإبحار الوطن الكبير نحو المستقبل، كانت هي أجندة حوار مع رئيس الوزراء الإسفيري عمر أحمد فضل الله تقرأون تفاصيلها في الحروف القادمة:
* تم نشر حكومة على الأسافير وكنت رئيسا لوزرائها؟
– دعني أخبرك أن هذه الحكومة وجدتها مثلكم في الأسافير وتم إرسالها لي عبر الواتساب هذا الأمر لم يتخذ الشكل الرسمي (مافي زول اتصل بي) بشكل رسمي لتولي منصب رئيس الوزراء في البلاد.
* ألم تصلك دعوة للمشاركة في فعاليات الحوار الوطني ؟
– وصلت دعوة من مسؤول ملف الحوار الوطني فيما يتعلق بالمقيمين في الخارج ولم أستجب لها ولم أشارك في مداولات الحوار الوطني التي لا أظن أنها ستأتي بجديد يقود السودان نحو الاستقرار المنشود والمنتظر ففي معركة السلطة والمعارضة يبدو الاهتمام بقضايا الناس خارج أولويات التفكير.
يعني هذا عدم موافقتك على شغل منصب رئيس الوزراء؟
إن أصبح الأمر حقيقة سأقبل بتكليف أن أكون رئيساً للوزراء فمهما كتب علينا الابتعاد فإنه في نهاية المطاف لا يصح إلا الصحيح والمؤكد أن هذه الأرض لها جمائل علينا سابقة وعلينا لها فاتورة يجب دفعها سأعود لأشغل منصب رئيس الوزراء ولكن وفقاً لشروطي.
عن أي شروط تتحدث؟
هو شرط واحد وهو أن يوكل لي كل الأمر فلن أعود لأكون رئيساً لوزراء أجد أسماءهم في لستة موضوعة سلفاً ولا يمكنني العمل مع من امتهنوا الفشل طوال السنوات السابقة فلا يمكنك أن تصنع إصلاحا باستخدام ذات أدوات الخراب القديمة، إن تمت الموافقة على هذا الشرط فإن نداء الوطن واجب الاستجابة.
بظنك لأي مدى يمكن أن تتوفر هذه الشروط؟
عني لا أطمح في التنازل الطوعي من قبل الحاكمين عن السلطة فهو أمر بعيد المنال في الوقت الراهن ولا يمكن تحققه بين ليلة وضحاها وأن عملية الحوار الوطني لا تعدو سوى كونها لفة في مضمار طويل يتسابق فيه الجميع نحو الكراسي ولا يرغبون في تحقيق إصلاح حقيقي وهو ما لم يتحقق إلا بوجود رجل تعلو عنده قيمة الوطن على ما سواها ليخلِّص البلاد من ويلات الحكومة ونيران المعارضة.
لكنك يا دكتور كنت جزءا من هذه الحكومة في وقت سابق؟
يمكنني أن أقسم أنني لم أنتم في وقت لمنظومة سياسية حزبية ولا أظنني سأنتمي إليها بعد هذا العمر، من يقول إنني حزبي عليه أن يأتي بالدليل على ذلك، أنا أنتمي فقط لهذا الشعب السوداني.
لكنك عدت إلى البلاد مع مواقيت عودة الإسلاميين عقب انقلاب الإنقاذ؟
نعم ذلك صحيح عدت لإحساسي بأن الوطن يحتاج مهاراتي وأنه بإمكاني أن أقدم له شيئاً ولم أكن لأرفض الاستجابة لنداء المشروع الإسلامي في ذلك الوقت فأنا تنحدر جذوري من منطقة العيلفون ذات الإرث الإسلامي العريق.
هل وجدت المشروع الإسلامي من خلال ممارسات السلطة الجديدة ؟
للأسف لم يتحقق ذلك الهدف والدليل على ذلك أنني حزمت حقائبي وعدت من حيث أتيت، لكن الإخفاق الذي صادف أداء المجموعة الإسلامية يعبر عن إخفاق للقيم الإسلامية في تحقيق معايير العدل والمساواة والشفافية وسيادة حكم القانون. كما أنه لا يمكننا أن نخرج إخفاق سلطة الإنقاذ من الإطار العام الذي لازم النخبة السياسية السودانية منذ الاستقلال وحتى الآن فقد كتب علينا الدوران مع ساقية الفشل.
ما الذي حدث في تلك الفترة وجعلك تغادر البلاد؟
لم تكن الأوضاع مواتية للعمل في تلك الفترة، كانت المشكلات توجد في أي مكان ربما كان هناك من لا يرغب في إعادة بناء الوطن على أسس الشفافية والمحاسبة وتحديد الأولويات في سبيل ذلك كانوا يحاربون من يتخذ طريقاً مختلفاً، على كل أنا راض عما قدمته في تلك الفترة وعن المشاريع التي طرحتها مثل مشروع التعداد السكاني في بداية التسعينات وإنشاء مركز الدراسات الإستراتيجية رغم أنه في نهاية المطاف تم سلبي حتى الحق الأدبي فإنني صاحب هذه المشاريع وتم نسبها لآخرين وهي كانت المشروعات الأولية من أجل إنجاز مشروع الحكومة الإلكترونية.
هل يعني أنك خرجت من البلاد مغاضباً؟
كانت واحدة من أسباب مغادرتي البلاد هي محاولتي اللحاق بما استجد من تكنولوجيا فوظيفتي في مجال التقنية كانت تتطلب مني مغادرة السودان حتى لا أكون خارج الزفة، ففي ذلك الوقت كان السودان خارج حسابات التقنية، لذلك غادرت البلاد من أجل اللحاق بالتطورات التكنولوجية الهائلة.
أنت الآن مسؤول الحكومة الإلكترونية في الإمارات، لماذا لم يتم هذا الأمر هنا؟
أولاً ثمة اختلاف كبير بين البيئة في الإمارات والبيئة في السودان من حيث عملية الاستقرار السياسي وحالة التماسك الاجتماعي ما جعل الإمارات تتقدم، هو ذاته ما قاد غيابه إلى تأخر السودان دون أن يعني هذا إهمال عوامل أخرى، فتعريف دور الحكومة في الإمارات يبدو مناقضاً تماماً لتعريفها في السودان، وكذلك الأدوار المنوط بها غياب الصراعات السياسية والرغبة في العبور نحو المستقبل كانت هي وصفة النجاح للتجربة الإماراتية بالإضافة لعملية حشد الخبراء من مختلف أنحاء العالم.
يعني هذا استحالة تطبيق مشروع الحكومة الإلكترونية في السودان؟
تطبيق مشروع الحكومة الإلكترونية يتطلب مجموعة من الإجراءات والبرامج التي يجب تنفيذها وهو ما يحتاج لبنية تحتية على الأرض وهو ما لا يتوفر في السودان، لا يمكن تنفيذ حكومة إلكترونية في بلد لا يتوفر فيها استقرار للكهرباء، هذا يعني أن ترمي أحلامك فوق السراب، أن تنجز حكومة إلكترونية فأنت محتاج إلى سودان مختلف عن الموجود الآن.
لكن السلطات تتحدث عن قطع أشواط بعيدة في مشروع الحكومة الإلكترونية؟
هذا الأمر لا يعدو سوى كونه حديثا للاستهلاك الإعلامي لا أكثر ولا أقل وربما محاولات لصرف أموال جديدة دون نتائج على أرض الواقع، في بداية التسعينات خضت معركة لإدخال البلاد في الإنترنت باعتباره خدمة تقدم للبلاد وحتى لا يصبح السودان خارج البيئة الدولية في الاجتماعات، كان البعض لا يرى في الإنترنت إلا أداة من أدوات التجسس على البلاد والتي يجب مكافحتها. إلا أنه في آخر المطاف تدخل الرئيس البشير وحسم الأمر بضرورة تنفيذ المشروع.
برأيك، ما السبب في مواجهة الحكومة الإلكترونية؟
لنعد للوراء قليلاً فيما يتعلق بالمعركة التي خاضها البعض ضد تنفيذ مشروع الإيصال الإلكتروني حتى لا يصبح حقيقة، الحكومة الإلكترونية في معناها الأخير تعني الشفافية الكاملة أي بكبسة زر يمكنك أن تعرف كم دخل خزينة الحكومة وكم خرج منها وأين تم صرف هذه الأموال، من يرفضونها يرفضون أن تخرج أموال الشعب إلى النور.
يعني قولك هذا أن ننسى تطبيق حكومة إلكترونية في بلادنا؟
يجب نسيانها في حال استمرت الظروف على ذات المنوال، الانتقال نحو الحكومة الإلكترونية يتطلب بالضرورة تغيرات على المستوى السياسي ووجود سلطة بأفكار جديدة تتجاوز الصراع القديم وتنحو نحو البناء.
لكنك تبدو قانعاً من تحول تصنعه الحكومة أو آخر يأتي عبر المعارضة؟
هذا صحيح، الحكومة لا تملك حلولاً والمعارضة لا يبدو حالها أفضل علينا من أجل إيجاد حل ناجع أن نخرج بالبلاد من هذا الصندوق، الحل في إيجاد قائد جديد يكون خارج هذه البيئة ويحمل تطلعات الأمة السودانية ويعيد البلاد إلى تاريخها الزاخر.
من أين لنا بمثل هذا الشخص؟
حواء السودان ما تزال ولودا، ثمة كثيرون يمكنهم تحمل المسؤولية وإعادة البريق إلى البلاد وإلى شعبها.
ومن أين له بوصفة النجاح؟
من قال إن هذه البلاد تفتقد الموارد التي تجعلها الأولى على نطاق العالم؟ ما يوجد في السودان لا يوجد في أي مكان آخر يعني ممكن من خلال العودة إلى الزراعة أن يعود السودان إلى مصاف البلاد المتقدمة إعادة النظر في السياسات التاريخية هو الطريق نحو المستقبل.
لكن البعض يقول إن هذه البلاد مستهدفة عبر العقوبات؟
هذا الأمر صحيح، ولكنه يتطلب أيضاً إعادة النظر في تعريف العلاقات الدولية باعتبارها علاقات مصالح، نعم أمريكا تفرض ضغطا على الخرطوم منذ عشرين عاماً لكن في ظل هذا الضغط فإنها تضطر لرفع يدها باستثناء الصمغ العربي لأنها تحتاجه، لماذا لا نستخدم نحن هذا الكرت الذي نملكه؟ يمكننا أن نطالب من يريد الصمغ أن يمنحنا بديلا عنه أو في حالة العدم فليقيم مصانع صناعته داخل البلاد. من غير المنطقي أن تعيش البلاد أزمة تتعلق بالدواء ومعظم الأدوية يدخل فيها الصمغ الذي ينبت في أراضيها.
هل يهرب عمر من السياسة إلى الرواية ؟
لا الرواية نفسها هي أداة من أدوات تحقيق مشروعي الذي أحلم به مشروع السودان الكبير بتاريخه وجغرافيته وموارده.
في روايتك ترجمان الملك تبدو وكأنك تكتب تاريخاً جديداً ؟
ليست محاولة لكتابة تاريخ جديد بقدر ماهي محاولة لإزالة الغبار العالق بتاريخنا القديم، ترجمان الملك يحكي عن الهجرة الإسلامية الأولى التي هبط من خلالها المسلمون الأوائل في أرض سوبا القديمة وتأكيد على أن قيمة العدالة في أصلها سوداني ويجب أن نعود إليها.
هل هناك طقوس معينة في الكتابة؟
الكتابة مثلها والحياة تحتاج مقومات لكي تعاش فكلما توفرت الإمكانيات للكاتب كلما أصبح أكثر قدرة على الإبداع والتميز دون أن يرتبط الأمر بجغرافية معينة أو مكان.
يطلق عليك البعض اسم الطيب صالح الجديد؟
هذا أمر يبعث السرور فالطيب صالح كان نسيجاً إبداعياً لوحده وكان سودانياً حد الاكتمال، أن يتم وضعك في مقارنة مع شخص مثل الطيب فهذا يعني أنك تمضي في الطريق الصحيح ويمكنك أن تصل إلى ما تريد، أنا ما زلت مزهواً بلقاء جمعني بصاحب موسم الهجرة إلى الشمال في تسعينات القرن الماضي بلندن وخاطبته بطريقتي في الكلام حيث كنت أخلط الدارجي السوداني بالعربية الفصحى فعلق ضاحكاً ( تعرف طريقتك في الكلام زي محاولات انتماء السودانيين بأنسابهم للعرب والعروبة مع أنهم عارفين لاهم عرباً خُلص ولا هم أفارقة خلص وقدر ما يحاولوا يتفلفصوا من افريقيتهم لونهم ده يخذلهم. ثم ضحك بصوت وقال: لكن أنت فصيح وفصاحتك تعجبني) أنا أحاول توظيف هذه الفصاحة لخدمة الرواية وتوظيف الرواية لخدمة القضايا التي أومن بها وعلى رأسها هذا السودان.
اضف تعليقا