كانت كارثة إنسانية رغم عدم إثارتها في أجهزة الإعلام وطي تفاصيلها الدموية بين دولتي مصر والسودان، فظل الناجون منها يحمدون الله أن كتب لهم عمراً جديداً لأن موتهم كان شبه مؤكد ما بين الغرق والاحتراق أو لدغ الأفاعي على جبال أبوسمبل، كانت تلك هي قصة احتراق الباخرة (10) رمضان وعلى متنها (700) سوداني معظمهم من طلاب المدارس والتجار، وفتح ذلك الملف جاء بعد أن نجحت أسر الضحايا والناجون في مقاضاة هيئة ملاحة وادي النيل بعد (28) عاماً كان خلالها حكم الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك يرفض تلك القضية خوفاً من التعويضات التي سيدفعها لأسر الضحايا والمصابين. (حسن نور الدائم موسى) كان أحد القلائل الذين نجوا، روى لنا تلك الليلة الرهيبة التي عاشوها على متن باخرة تغرق وتحترق. ماذا قال عن القضية التي دفعوها إلى القضاء بأسوان؟
{ بداية القصة
استجمع حسن نور الدائم ذاكرته لـ(28) عاماً عندما كان عائداً من أسوان إلى وادي حلفا على متن الباخرة (10) رمضان، وقال: إن الحادث لم يكن في رمضان، ولكن (10) رمضان هو اسم الباخرة وسميت احتفالاً بانتصار الأمة العربية على إسرائيل، وهناك مدينة تسمى أيضاً (10 رمضان) أتذكر أن الباخرة كانت تقف بميناء أسوان في 24 مايو 1983م وفي حوالي التاسعة مساءً تقريباً أكلمنا إجراءاتنا وتحركت الباخرة في اتجاه مدينة وادي حلفا وكان فيها نحو (700) سوداني معظمهم من الشباب وكانت هناك رحلة علمية لمدرسة ثانوية فيها نحو (47) طالبة من المدرسة نجت منهن حوالي (4) طالبات فقط، وكان البحارة عادةً ما يتاجرون في المواد البترولية والغاز، وعندما وصلت الباخرة إلى جبال أبوسمبل أوقف القبطان الباخرة وربطوها في الجبل وسحبوا السقائل حتى لا ينزل الركاب، وكان الجبل مليئاً بالأفاعي، وكنت نائماً، استيقظت في حوالي الواحدة صباحاً في اليوم الثاني لأشاهد الدخان ينبعث من مطبخ صغير بالباخرة فأخذت أوقظ النائمين وعندما فتح باب المطبخ ظهر لهب النار وأمسك بثياب كانت تضعها طالبات المدرسة ستاراً ليفصل بينهن والرجال وكانت تلك الثياب سبباً في أن يمتد الحريق إلى بقية الباخرة المكونة من (3) صنادل وعندها أصبح الركاب يسرعون لإنقاذ أنفسهم فأمسكت الطالبات بأيدي بعضهن ووقعن في النيل محاولات النجاة والأساتذة بذلوا جهوداً كبيرة لإنقاذهن، ومدير المدرسة كان يحاول إنقاذهن حتى توفي محترقاً وغريقاً، وفي تلك اللحظة العصيبة أنزل بحارة الباخرة قوارب النجاة واستخدموها فارين حتى أن أحد الركاب تشبث بأحد القوارب فقاموا بدفعه ليغرق وأتذكر أنني قفزت مسافة من الباخرة حتى الشاطئ وهناك الكثيرون نجوا من الحريق والغرق وماتوا بلدغات الثعابين والعقارب، واستمرت النيران يوماً كاملاً حتى جاء لنش من أبوسمبل وقام بنقل الناجين إلى المدينة، وأقاموا في هنقر كبير، أما الذين ماتوا فقد تم دفنهم في مقبرة جماعية، وأذكر عندما عدنا إلى المدينة احتفل أهل المنطقة بنجاتنا وأكرمونا ثم أرسلت الحكومة المصرية طائرتين حربيتين نقلتانا إلى الخرطوم، واحدة من الطائرتين نزلت بمطار الخرطوم والأخرى بقاعدة وادي سيدنا، وبعد أن وصلنا إلى الخرطوم وجدنا الإهمال ولم نجد من يقوم بإسعافنا، فقد لا تصدق أن كل واحد حمل حقيبته وذهب إلى منزله لتقوم أسرته بنقله إلى المستشفى، وحالياً من الناجين من أصيب بعاهة مستديمة، وبعضهم جن. وزارة الرعاية الاجتماعية صرفت لنا مبالغ رمزية بعد أن أجرت دراسات ولم يتم تعويضنا، وعرفنا أن الباخرة كانت مؤمناً عليها، ولكن الركاب لم يتم التأمين عليهم.
ويواصل (حسن): في عام 1997م جاء محام مصري إلى السودان وأخبرنا بأنه بصدد رفع دعوى جنائية في مواجهة الشركة حتى يتم تعويضنا وطلب توكيلات ومبلغاً بسيطاً رسوم الدعوى، ويبدو أنه وجد مشاكل ولم يستطع في بادئ الأمر أن يقيم الدعوى وفعل ذلك مؤخراً وكسب أمراً قضائياً من المحكمة الجنائية بتعويض المتضررين ثم قام برفع دعوى مدنية يطالب فيها بالتعويض لـ(330) من المتوفين و(400) من المصابين والتجار الذين فقدوا تجارتهم داخل الباخرة. يقول (حسن) إن الحكومة السودانية في ذلك الوقت لم تهتم بالحادث وأنهم وجدوا الاهتمام من مصر وعندما وصلوا لم يجدوا أي مسؤول يستقبلهم ويشرف على نقلهم إلى المستشفى وقد نزلوا بالمطار بآهاتهم وإصاباتهم يحملون حقائبهم ويذهبون فرادى إلى منازلهم.\
حاوره – طارق عبد الله، مجدي أحمد
اضف تعليقا