أرجوزة الشاعر السوداني الفذ عبد الله محمد عمر البنا وفيها حوارً بين بدوي وحضري يعبّر كل واحد منهما عن حبه لموطنه
سافرتُ والأسفارُ بابُ الرزقِ | أطلُبُ مالاً أو كريمَ خُلْقِ | |
رافقني في سَفرتي أعرابي | فكان لي من خيرة الأصحاب | |
آنَسَنِي من مُضحكات البادية | بما به يزولُ حُزْنُ الباكية | |
ابتدأ المقالَ بالسلامِ | وقال حين سار في الكلام | |
يا من أَلِفْتَ سَكَنَ البيوت | وما بها من ملبس وقُوتِ | |
إن البيوتَ حَرُّهَا شديدُ | وما بِهَا لنعمة مزيدُ | |
الماء يُشْرَى عندَكُمْ مع الحطبْ | والنارُ والقَشُّ بأثمانِ الذهبْ | |
ولَبَنُ المِعْزَى لَكُمْ يُبَاعُ | وهُنَّ في بُيُوتِكُمْ جِيَاعُ | |
فَلَوْ سَكَنْتَ مَعَنَا البُطَانَةْ | لمَاَ رَأيتَ مِثْلَهَا مَكَانةْ | |
يَكْفِيكَ في دُنْيَاكَ كَلْبُ صَيْدِ | يكونُ للغُزْلانِ مِثْلَ القَيْدِ | |
تُمَتِّعُ النَّفْسَ مِنَ الأرانِبِ | ومِنْ حَلِيبٍ لَبَنٍ وَرَائِبِ | |
إِنَّا إِذَا أَمْطَرَتِ السَّمَاءُ | فَأَرْضُنَا جَمِيعُهَا خَضْرَاءُ | |
وَإِبْلُنَا مِنْ حَوْلِهَا عِظَامُ | كَأَنَّهُنَّ رُتَّعَاً نِعَامُ | |
وَبَقَرُ الحَيِّ لَهَا دَوِيُّ | كَأَنَّمَا قُرُونُهَا العِصِيُّ ج | |
والضَّأْنُ والمِعْزَى تَبِيتُ حَوْلَنَا | نُحِبُّهَا كَحُبِّنَا أَطْفَالَنَا | |
إِذَا التَقَيْنَ مَغْرِبَاً في السَّاحَةِ | فكالنِّسَاءِ صِحْنَ في مَنَاحَةِ | |
وَالنَّاسُ عِنْدَنَا جَمِيعَاً إِخْوَةٌ | وَهُمْ لَدَى المَرْعَى الجَمِيلِ أُسْوَةٌ | |
نَحْنُ أَلِفْنَا سَكَنَ البَرِّيَّةِ | لِحُسْنِ مَا فِيهَا مِنَ الحُرِّيَّةِ | |
أَجَبْتُهُ: نَطَقْتَ يَابْنَ العَمِّ | فَاسْمَعْ وَقُلْ مَا شِئْتَهُ مِنْ حُكْمِ | |
يَا بَدَوِيُّ عَيْشُكُمْ جَدِيبُ | يَزُورُكُمْ فِي كُلِّ لَيْلٍ ذِيبُ | |
فَسِرْ مَعِى أُدْخِلُكَ المَدِينَةْ | وَانْظُرْ إِلى خَيْرَاتِهَا وَالزِّينَةْ | |
تَلْقَ بِهَا الحَدِيدَ وَالنُّحَاسَا | وَذَهَبَاً وَفِضَّةً وَمَاسَا | |
والعِلْمَ وَالطِّبَّ وَجَمْعَ المَالِ | وَمَظْهَرَ الآدابِ وَالجَمَالِ | |
والطِّيبَ وَالمَطَعَمَ وَالحَرِيرَا | وَالأُنْسَ وَالحُكَّامَ وَالسُّرُورَا | |
أَبْنَاؤُنَا شُغْلُهُم المَدَارِسُ | بِهِمْ يُعَزُّ القُطْرُ وَالمَجَالِسُ | |
وَفِي القُرَى يُنْشَرُ أَمْرُ الدِّينِ | وَتَسْهُلُ الحِرْفَةُ لِلْمِسْكِينِ | |
وَيَسْهَرُ الحُكَّامُ، وَالأَنَامُ | جَمِيعُهُمْ فيِ رَاحَةٍ نِيَامُ |
اضف تعليقا